في أواخر القرن التاسع عشر زارت مصر فرقة استعراضية ألمانية تقدم ألعاب السيرك ومزيكا حسب الله وما أشبه. زارت هذه الفرقة شارع محمد علي الذي كان شارعا استراتيجيا من الطراز الأول. ولم يكن له علاقة بالفن وليالي الأفراح وخلافه. وعندما رحلت الفرقة حملت معها صبيا وفتاة, الصبي كان عاكف الكبير عميد آل عاكف, والفتاة كانت تدعي مريم( وكانا قريبين). وعندما عاد الولد والبنت من أوروبا أسسا معا شارع محمد علي. تدور الأيام وترحل مريم, ويظل نسلها يعمل في السيرك, وتتفرق الذرية, ويصل فرع منها إلي المنيا, حيث تولد هناك سميحة توفيق التي يعرفها الشعب المصري باسم الهبلة الحمارة أم بدوي نسبة إلي دورها في مسرحية مدرسة المشاغبين(1982, إخراج حسين كمال). كان يوسف وهبي يزور الصعيد وشاهد الفتاة الصغيرة ليحضرها معه إلي القاهرة وتصل إلي النجومية سريعا, وبطريقة مريحة للغاية كما وصفت هي رحلتها. وظهرت في السينما في أدوار كثيرة مؤثرة, منها أفلام ابن النيل(1952, إخراج يوسف شاهين) وهجرة الرسول(1964, إخراج ابراهيم عمارة) ومن هذا الفيلم نحفظ لها المشهد الخالد الذي كانت تغري فيه أبا الحكم سيد قريش ليرفع سعر السيوف, وغيرهما من الأفلام المؤثرة. ورغم أن سميحة تنتمي إلي النوع من الممثلات اللاتي يغنيهن الجمال عن اجابة سؤال المستوي الفني, إلا انها لم تكن عالة علي الفن شأن جميلات كثيرات, وإنما كان حضورها يضيف حرارة وحيوية للمشهد الذي تظهر فيه, وذلك لمصريتها الواضحة في الملامح والأداء. تزوجت سميحة كالعادة في ذلك الوقت من ضابط بالجيش, ثم تزوجت بعد طلاقها منه بالموسيقار عطية شرارة, وتقول هي في أحد حواراتها الصحفية إن فؤاد المهندس كان يحبها قبل زواجه من شويكار, وانه ظل سنوات يطلبها للزواج لكنها رفضت. بدأ المرض يهدها في أواخر الستينيات, فقد أصيبت مبكرا بهشاشة في العظام, إلي جانب الانجاب والأولاد الثلاثة, فتركت العمل بالسينما أو تركها علي الأدق, لتعيش أياما صعبة, قبل أن تعود في بداية الثمانينات بمسرحية ريا وسكينة ورغم نجاحها في الدور إلا أن الكثيرين لم يربطوا بين هذه الممثلة البدينة اللطيفة وسميحة توفيق التي كانت تعطي لتعبير الانوثة الطاغي مغزي, بالاضافة إلي بعض الأعمال القليلة غير المؤثرة, غير أنها لم تصمد طويلا, فعادت للجلوس بالمنزل. وتعتز سميحة بفنانتين واحدة ساندتها في بداية حياتها الفنية, والثانية ساندتها في ختام حياتها الفنية وغير الفنية, فقد تولت الفنانة تحية كاريوكا رعاية الفتاة التي تخطو خطواتها الأولي في عالم الفن, لحمايتها من الذئاب والثعالب والملك فاروق, ولعبت نصائح تحية لها دورا كبيرا في الحفاظ عليها من الضياع. أما الفنانة الثانية فهي شادية التي ظلت تنفق عليها منذ عملتا معا في ريا وسكينة حتي توفيت في أغسطس2010, وربنا يرحم الجميع.