ربما لا يعجبك كلامي أو أنك مثل كل الآباء ممن تخطو عقدهم الخامس تراني وجيلي ممن لم يتجاوزوا عشرينيات عمرهم تافهة أو سطحية مدللة.. ضائعة لا أدري من أمر نفسي وحياتي شيئا ولكني أتحداك وكل الآباء أن تكونوا قد اقتربتم من أولادكم بالقدر الكافي كي تعرفوا كيف يفكرون صحيح أنكم وفرتم لنا ما لم يكن يحلم به جيلكم من أسباب الحياة ورفاهيتها وقدر من التعليم المتميز المهم أن كل الأفكار المشوشة اكتسبتها وأنا في المدرسة وتضخمت في الجامعة حتي وجدتني أعيش عالما مختلفا تماما عن عالم والدي وأمي ولقد أسهما هما أيضا في خلق حالة من الشقاق بيني وبين حياتي تولدت من شقاق أكبر عاشا فيه وأجبراني أن أعيش فيه أنا أيضا وأنا بعد لم أغادر نعومة أظافري وذلك عندما قررا أن يهدما حياتهما الاجتماعية وحياتي معهما.. انفصلا وعشت ممزقة بينهما أتجرع مرارة الرفض لوجودي تارة من زوجة أبي وتارة أخري من زوج أمي حتي إخوتي غير الأشقاء منهما لم أشعر بتقارب الدم بيني وبينهم, وعشت مع نفسي ووحدتي أستقي أفكارا وطباعا مشوشة, ضائعة لا أعرف لي طريقا أسلكه, انشغل الجميع عني ولم أجد أحدا يوجهني أو يصوب لي أخطائي حتي انجرفت في فترة مراهقتي في صداقات ليست سوية كان نتيجتها إدماني المخدرات ولم يكن عندي مشكلة في تدبير نفقات ما أتعاطاه فما كنت أحتاج إليه آخذه من أمي ووالدي, كانا يعطياني ببذخ وكأنهما يعوضان إهمالهما لي بالمال ولا يهم فيما أنفقه, المهم أنهما لا يتحملان تبعات تربيتي و همومي معتقدين أن المال في يدي يغنيني عن الاحتياج لهما لا يدركان مدي خطورة ما وصلت إليه من ترد وانحدار ضاع معه كل شيء حتي كنت أستشعر الموت يقترب مني لولا أني عشت تجربة عاطفية مع رجل أوقعه القدر في طريقي, تحولت حياتي معه إلي النقيض, كان أكبر من والدي ولكنه تفهم حالتي واستطاع أن يساعدني في التخلص من الإدمان عن طريق صديق طبيب متخصص في مثل هذه الحالات و قد تعجب من اللامبالاة التي كان عليها والدي عندما أخبرته أني مسافرة في رحلة مع أصدقائي تستغرق أسبوعين فلم يهتم ويسأل إلي أين هذه الرحلة أو مع من, أعطاني اكثر مما طلبت من مال وأنعم علي بالجملة المعتادة في كل مرة ألقاه فيها خدي بالك من نفسك ولم أكن في رحلة مع أصدقائي كما أخبرته ولكني كنت علي موعد مع الرجل الذي أحببته وأغناني عن الناس جميعا ليذهب بي إلي مصحة لعلاج الإدمان يعمل فيها صديقه الطبيب كأنه والدي الذي لم ينجبني واستطعت بعد معاناة شديدة و صراع مرير أن أتخلص من طوق الموت الذي يحيط برقبتي بفضل حبيبي.. ارتبطت به أكثر وأحسست حياتي معه أفضل و قررنا أن نتزوج, كان مطلقا ويعيش بمفرده وليس له أولاد وطلبت منه أن يتقدم لوالدي طالبا يدي و لكنه رفض متعللا بفارق السن الكبير بيننا إلا أنه بعد إلحاح استجاب لي متحديا رفض طلبه و قال إن له هدفا آخر سوف أعرفه بعدين وبالفعل تحقق ما قال فما أن تقدم طالبا يدي حتي رفضه والدي لكبر سنه وعبثا حاولت أن أقنعه أنه الرجل الذي أنقذ حياتي من الضياع إلا أنه اتهمني بأنني فتاة تافهة وليس لي خبرة بالحياة, ثرت عليه وهاجمته أنه لم يكن لي أبا في يوم من الأيام ماله الآن يمنع عني سعادتي فثار في وجهي و لطمني بل وحبسني في بيته, حاولت أن أستغيث بأمي فلم يختلف موقفها عنه في شيء.. شهور طويلة لم أر فيها أحدا غير مطالعة علي مواقع التواصل الاجتماعي, تواصل باهت مع أصدقائي لا تغنيني فيه السوشيال ميديا و لكن ما يؤلمني هو حبيبي نفسه الذي انقطع عني ولم يعد لي معه أي نوع من التواصل غير رسالة أرسلها لي يقول فيها إنه أخطأ في طلبه يدي وأنه أفاق من سكرة مشاعر لم تكن حقيقية مع فتاة في عمر ابنته. أحاطت بي عزلتي وأفقدتني الثقة في كل شيء وتحاورت مع نفسي كثيرا وكيف كانت حياتي ضائعة في طفولتي وفي صبايا أيضا, اقتربت من الله وأصلحت كثيرا مما أعاب ديني وأخلاقي ولكني لم أستطع الحفاظ علي توازن نفسي, بداخلي إحساس بالكراهية لأمي ووالدي لا أعرف كيف أتخلص منه أشقي به ويشقيني, أتساءل إن كان الشر قد سكن قلبي وشوه روحي أم لا؟ كنت أتمني مثلي مثل كل البنات أن أشعر بحب والدي وحنان أمي أو حتي أن أحمل لهما ذكري طيبة و أترحم عليهما لو كانا قد رحلا عن الدنيا ولكن أن أعيش بينهما وأنا أكرههما فهذا ما يعذبني وجعلني آتيك بحثا عن طاقة نور تزيل ظلمة حياتي رغم يقيني أنك قد لا تتفهم موقفي وتهاجمني كما هاجمني كل من حولي..! ك. ت. القاهرة كيف تأتيني باحثة عن طاقة نور وأنت تغلقين الباب علي نفسك وأي أمل في الوصول إلي نقطة نور وقد بدأت الحديث معي بهجوم شرس علي وعلي كل جيل الآباء, قد أعذرك في موقفك الرافض لوالدك ووالدتك فذلك نوع من رد الفعل وإن كان مبالغا فيه إلي درجة المرض أما أن تنظري لكل الناس من هم في سن أبيك أو أمك نفس النظرة الرافضة فذلك نوع من الاستسلام ليأس تملك منك و فرض سيطرته عليك ولكن دعيني أسألك إن كنت تنظرين لكل الآباء نظرة رافضة لماذا أحببت واحدا منهم إلا لأنك وجدت لديه شيئا مما تفتقدينه في حياتك, انت لم تحبيه بعاطفة رومانسية ولكن بعاطفة فتاة ذاقت طعم حنان لم تألفه من قلب أب من قبل وإن كنت أشك في موقف من أحببت وأنه بالفعل ذهب يطلب يدك من أبيك استجابة لإلحاحك وأنه كان بالفعل يمكن لهذا الزواج أن يتم لو وافق أبوك و لكن في اعتقادي أنه بفعلته هذه أراد أن ينقذك من مأساة كبري كما أنقذك من قبل بمساعدتك في التخلص من سطوة الإدمان ولكن هذه المرة بإفاقة أبيك من غفوة الحنان في قلبه فيتنبه لحال ابنته ويمنعها من الاستمرار في السقوط.. تقولين إنك اقتربت من الله وأصلحت ما فسد من دينك والأخلاق في نفسك وفي الوقت نفسه تكرهين والديك اللذين من قال فيهما رب العزة في محكم آياته من سورة لقمان وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم(13) ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا علي وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير(14) وإن جاهداك علي أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون(15) صدق الله العظيم. كيف لك أن تصلحي من حالك بكل هذه الكراهية لأبيكي و أمك, صحيح أنهما أخطآ وقد يرقي خطؤهما في حقك إلي مستوي الخطيئة لأن كل واحد منهما غلبته أنانيته وراح يجري وراء رغباته متناسيا ابنته ولكن الواقع المر الذي عشتيه ليس مبررا للضياع فاحمدي الله أن وجدت من ينتشلك من لجة الإدمان والموت البطيء واجعلي من أزمتك دافعا لبناء نفسك لا هدمها.