الحرير المحلاوي.. مهنة فقدت بريقها.. ضرورة فتح أسواق جديدة لتصريف المنتجات محليا.. وعودة للمنافسة عالميا جزء من تراث الوطن يرقي به ويسمو ويؤصل عراقته ومدي تأثيره علي مدي التاريخ إنها الحرف اليدوية, والصناعات التقليدية, وتحتل مساحة واسعة في قلوب المصريين ووجدانهم لإخلاص الصانع علي مهاراته الفردية واعتماده علي جديته في نقل خبرة الأجداد عبر عصور وسنوات طويلة.. الأهرام المسائي طرق أبواب أصحاب الأنامل الذهبية وأكدوا أن الحرف تواجه هجوم الحداثة وطغيان التمدن علي صناعاتهم الأصيلة ويطالبون بمشاركة الحكومة في توثيق وتسويق منتجاتهم والوقوف بجانبهم, وكانت السطور التالية.. تحظي مدينة المحلة الكبري بشهرة عالمية في إنتاج العديد من الصناعات القديمة التي رسمت تاريخ عريقا ومجيدا لهذه المدينة الصناعية الكبري حيث كانت معظم المنازل في الماضي عبارة عن مصانع تعتمد علي الصناعات اليدوية أبرزها الحرير الطبيعي الذي لا يوجد له مثيل في أي مدينة مصرية أخري, حتي أن المسيو جالوا أحد مهندسي الحملة الفرنسية كتب رسالة مهمة عن رحلته في الدلتا واصفا المحلة الكبري بأنها المدينة التي تنتج معظم الحرير الذي تلبسه النساء في مصر,فضلا عن المناديل التي تغطي بها النساء رءوسهن واليشامك( البراقع) السوداء لتغطية الأوجه والقمصان والبشاكير,كما أن منسوجات المحلة المغزولة بخيوط الحرير كانت تستخدم في ستائر الشبابيك وأغطية المقاعد والأرائك والوسائد وأغطية الموائد الموشاة بأسلاك الذهب والفضة والأحزمة الحريرية والملاءات. المحلة والحرير ويقول سيد مصطفي عامل إن مصانع المحلة اليدوية كانت تصدر قديما الحرير الطبيعي إلي سائر أنحاء القطر المصري بالإضافة إلي جميع بلاد السلطنة العثمانية حيث كان الحرير يأتي إلي المحلة من سوريا في هيئة شرانق إلي دمياط وهناك تفك خيوطه لتلف في بكرات ويصبح عندئذ أصفر اللون ثم يبيض في المحلة وتغلي البكرات في النطرون وتحل خيوطها وتوضع في شلات تضرب فوق حجارة مسطحة ثم تغمر بالماء ويعطي هذا التجهيز للحرير لونا أبيض رائع الجمال بعدها يتم صباغة الحرير بثلاثة ألوان فقط هي الأسود ويحصلون عليه من النيلة والأحمر من الدودة القرمزية والأصفر من شجيرات البليخة التي كانت تزرع في إقليم الشرقية المواجه لسمنود, وتصنع كل ملابس النساء الحريرية علي وجه التقريب في مشاغل المحلة, لكن مع انحسار صناعة الحرير الطبيعي ودخول الحرير الصناعي وتغير نوعية المنتج توارت المهنة ثم اختفت. ويقول مختار عبد النبي البشبيشي: اشتهرت المحلة بصناعة النسيج اليدوي والحرير الطبيعي منذ القدم, وظل الأبناء يتوارثون المهنة جيلا بعد جيل, ولكن مع ظهور الحرير الصناعي الذي يتميز برخص ثمنه إلي جانب عدم توفير الرعاية والحماية للمصانع الصغيرة بدأت المهنة في الانقراض خاصة عقب إنشاء الشركات العملاقة مثل شركة مصر للغزل والنسج وشركة النصر للصباغة والتجهيز والتي جذبت إليها عددا كبيرا من أصحاب الخبرة في هذا المجال ونجحت في توفير دخل ثابت ومزايا تأمينية عديدة للعمال. وأضاف أنه علي الرغم من أن الحرير الطبيعي ينفرد بمميزات كثيرة مثل المتانة وقوة التحمل بالإضافة إلي قدرته علي امتصاص الرطوبة والاحتفاظ بدرجة لمعانه وألوانه الطبيعية لفترات طويلة, إلا أن تجارته كان لها مواسم وأسواق معينة وقد تعرضت هذه الصناعة لفترات عديدة من الركود بسبب ارتفاع تكلفة إنتاج الحرير الطبيعي وعدم توافر الخامات في أحيان أخري مما أثر بالسلب علي هذه المهنة, كما أدي فتح باب استيراد الأقمشة والحرير الصناعي من دول شرق آسيا وانتشار عمليات التهريب وعدم حماية المنتج المحلي في إصابة المهنة في مقتل. وأكد أن الحلول السريعة من أجل استعادة صناعة الحرير الطبيعي هي: أولا: تدريب العمالة ذات الخبرة, وثانيا: حماية المنتج المحلي بغلق منافذ التهريب والمنافسة الخارجية من الحرير الصناعي رخيص الثمن, وثالثا: العمل علي تسويق الحرير الطبيعي في الأسواق الخارجية والاهتمام بزراعة أشجار التوت لتوفير الخامات الضرورية من دودة القز. تحفة فنية نادرة كما تخصصت مدينة المحلة في صناعة السجاد اليدوي ونافس مصنع سجاد غزل المحلة بشهرته كبري الدول المنتجة له مثل إيران والهند وتركيا, وذلك بسبب جودته العالية وروعة تصميماته وألوانه الأنيقة بجانب تخصصه في إنتاج أرقي أقمشة الأبيسون التي تستخدم في تنجيد أطقم صالونات القصور الفاخرة والفنادق الشهيرة, حيث كان يأتي في المرتبة الثانية علي مستوي العالم بعد فرنسا في مجال الأبيسون, لكن مع مرور الوقت فقدت هذه الصناعات بريقها وتراجعت واضطرت العمالة الفنية المدربة للهروب إلي أعمال لأخري بحثا عن توفير وتدبير مصادر الرزق لأبنائهم. وأكد بلال شفيق أحد قدامي العاملين في صناعة السجاد اليدوي أن صناعة السجاد اليدوي جزء عزيز وغال من التراث الشعبي المصري وعنوان بارز لتاريخ الأمم يعكس مدي تحضرها ورقيها فهو بمثابة تحفة فنية راقية كلما امتد بها العمر ازدادت قيمتها المادية والفنية. وأضاف أنه أقيم مصنع للسجاد اليدوي داخل شركة غزل المحلة واحتضن في بدايته ابناء المدينة الصغار لتعليمهم علي مهارات وحرف جديدة من خلال اتقان صناعة السجاد اليدوي والتعامل مع الأنوال اليدوية تحت إشراف عدد من أسطوات القطاع الخاص بعدها تم دعم المشروع وتأسيس أول جمعية تعاونية انتاجية لصناعة السجاد اليدوي بالمحلة وأصبح مصدر دخل كبير للاقتصاد المصري. وأشار محمد الزيادي رئيس اللجنة النقابية للعاملين بالسجاد إلي أن مصنع سجاد المحلة شهد فترة مزدهرة للغاية حتي عام1988 وانتشرت منتجاته في العديد من الأسواق الخارجية حتي أصبحنا نحتل الصدارة في مجال التصدير لروسيا واليابان وانجلترا وألمانيا ونافسنا إيران علي صناعة السجاد العجمي بأنواعه المختلفة الشيرازي والأصفهاني والتبريزي والقشقاي والكزاك والكاشان الحريري, وكان عدد العمال وقتها يبلغ ستة آلاف عامل, لكن للأسف الشديد بدأ المصنع في التراجع والانهيار خاصة بعد دخول وانتشار السجاد الميكانيكي, إضافة إلي اتباع سياسات الانفتاح الاقتصادي بجانب سوء الإدارات المتعاقبة وعدم تقدير العمال بشكل مناسب مما أدي إلي هروب معظم الأيدي العاملة للعمل في مهن اخري أو السفر للخارج بسبب ارتفاع تكاليف, من ثم أصبح هذا الصرح الصناعي العظيم مهددا بالانهيار والاختفاء بسبب مشاكله. من جانبه أكد الكيميائي محمد محمود الآبشيهي رئيس القطاع التنفيذي السابق لجمعية السجاد أن أبرز الحلول الموضوعية للحفاظ علي صناعة السجاد اليدوي تتلخص في: سرعة ضم جمعية السجاد رسميا إلي شركة غزل المحلة وإسقاط ديون المصنع والتي بلغت نحو50 مليونا, بالإضافة إلي ضرورة أن تهتم الحكومة بفتح أسواق جديدة لتصريف منتج السجاد اليدوي محليا ودوليا سواء عن طريق الصندوق الاجتماعي للتنمية والمشاركة في المعارض والمحافل الدولية أو من خلال بيت خبرة عالمي متخصص في هذا المجال, وكذلك الاستعانة برجال الأعمال من القطاع الخاص للمشاركة والمساهمة في عملية تطوير المصنع ومساعدة عماله والحفاظ علي القلة المتبقية من المهرة لإنقاذ هذه الصناعة الفنية.