تمر اليوم الذكري المئوية لمولد الموسيقار الكبير محمد فوزي, ورغم أهمية هذا المبدع وما قدمه للموسيقي العربية تمر ذكراه دون اهتمام أو احتفال, إلا من حفل بسيط أقيم في مسرح طنطا التابع لثقافة الغربيةمسقط رأسه. وتاريخ فوزي الموسيقي تكون بمجهود شاق قام به المبدع الراحل, فمنذ نشأته, وجد نفسه الابن الحادي والعشرين من أصل خمسة وعشرين ولدا وبنتا, وحبه للموسيقي بدأ منذ دراسته الابتدائية, حتي أنه غني في بعض الأفراح وفي احتفالات مولد السيد البدوي, وبعد أن نال الشهادة الإعدادية التحق بمعهد فؤاد الأول للموسيقي في القاهرة, وبعد عامين فقط تخلي عن الدراسة ليعمل في ملهي الشقيقتين رتيبة وإنصاف رشدي قبل أن ينتقل للعمل مع بديعة مصابني. وقرر فوزي في العشرين من عمره أن يعمل بشكل احترافي فتقدم إلي امتحان الإذاعة ونجح كملحن لكنه رسب كمطرب, وكان الاستقرار علي اسمه الفني الذي عرف به مصاحبا لأول فرصة حقيقية منحتها له السينما علي يد يوسف وهبي حيث طلبه ليمثل دورا صغيرا في فيلم سيف الجلاد ويغني فيه من ألحانه أغنيتين, واشترط عليه أن يكتفي من اسمه( محمد فوزي حبس عبد العال) بمحمد فوزي فقط, فوافق دون تردد, وشاهد المخرج محمد كريم الفيلم, وكان يبحث عن وجه جديد ليسند إليه دور البطولة في فيلم أصحاب السعادة أمام سليمان نجيب والمطربة رجاء عبده, فوجد ضالته في محمد فوزي, وحقق العمل نجاح كبيرا لم يكن متوقعا, وساعده هذا النجاح علي تأسيس شركته السينمائية التي حملت اسم أفلام محمد فوزي في عام.1947 وقال الموسيقار محمد سلطان إن محمد فوزي علامة مميزة في تاريخ الموسيقي العربية, وكان له لونه الفني الخاص, وشخصية لم تتكرر ولم يقلد أحدا من السابقين لذلك يجب احترامه واحترام ذكراه والاحتفال به كما يليق بقامته. وأضاف لم أعاصره حيث دخلت الوسط الفني بعده, لكنه فنان حقيقي أعطي للفن والموسيقي الكثير فبجانب ألحانه أقام شركة اسطوانات محترمة بمجهوده ساعدت علي النهوض بالصناعة وتم تأميمها بعد ذلك, واستمرت في العمل, وهو لم ينشئ شركة الاسطوانات أو ينتج من أجل التجارة, فكان يمكن ألا يقيمها ويركز في ألحانه فقط, لكن حبه للفن هو ما دفعه لذلك. الوطنية تسري في عروقه بعد قيام ثورة يوليو اشترك مع مديحة يسري, عماد حمدي, شادية, فريد شوقي وهدي سلطان في رحلات قطار الرحمة التي أمرت بتسييره الثورة عام1953 بين مديريات الوجه البحري والقبلي, وقدم من فنه مع الفنانين الآخرين لمواساة المرضي في المستشفيات, وفي مراكز الرعاية الاجتماعية, وفي عام1958 م استطاع فوزي تأسيس شركة مصرفون لإنتاج الإسطوانات, وفرغ نفسه لإدارتها, حيث كانت تعتبر ضربة قاصمة لشركات الإسطوانات الأجنبية التي كانت تبيع الإسطوانة بتسعين قرشا, بينما كانت شركة فوزي تبيعها بخمسة وثلاثين قرشا, وأنتجت شركته أغاني كبار المطربين في ذلك العصر مثل أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وغيرهما, وبذلك استطاع أن ينهض بالصناعة الفنية بمصر, ودفع تفوق شركة فوزي وجودة إنتاجها الحكومة إلي تأميمها سنة1961 م وتعيينه مديرا لها بمرتب100 جنيه الأمر الذي أصابه باكتئاب ورغم ذلك لم يعترض لحبه لمصر. أوضح د. زين نصار أستاذ النقد الموسيقي بأكاديمية الفنون أن فوزي كان رجل أعمال ناجحا, فقد أنشأ مصنعا للأسطوانات وكان الأول في مصر والدول العربية, ففي هذه الفترة كانت الأغاني تسجل وتذهب للخارج لتوضع علي أسطوانات وهذا كان يكلف عمله صعبة, وبما فعله وفر العملة وأتاح وجود الأسطوانات وساهم في الصناعة بشكل قوي, كما أنه أنتج ما يقرب من25 فيلما من خلال شركة إنتاج, وكل ذلك فعله بحس فني ووطني حتي أن شركة الأسطوانات أطلق عليها مصر فون ولم يسمها باسمه, بجانب أنه أفاد البلد اقتصاديا, كما أن حسه الوطني لم يتوقف عند مصر, فقد لحن النشيد الوطني للجزائر عام1956, ولم يأخذ أي مقابل مادي بل أنفق من ماله الخاص وأهداه للثورة الجزائرية, ومنذ أشهر كرمته الجزائر في حفل كبير ومنحته وسام تسلمه حفيده. وقال إن محمد فوزي ملحن له أسلوب متميز للغاية لم يقلد أحدا من السابقين له أسلوبه المتميز كما أنه رائد في عدة مجالات وهي أغاني الأطفال منها ماما زمانها جاية, ذهب الليل, وهاتوا الفوانيس يا ولاد. كما كان أول من يقدم أغنية بدون آلات معتمدا علي الكورال الذي قسمه لجزأين جزء يردد وآخر يحل محل الآلات ويؤدون بأصواتهم اللحن بطبقاته الحادة والبسيطة وكان ذلك في أغنية كلمني طمني, كما كان له رصيد من الأفلام كبير ومتميز حتي أن الثنائيات الغنائية التي قدمها كان لها طعم خاص منها مع ليلي مراد, وصباح, وغيرهن من الفنانات, كما قدم أغاني ثلاثية منها جنينة الغرام هو وصباح وإسماعيل ياسين, والتي تدور عن اثنين يحبون نفس الفتاة وكل واحد في انتظارها أن تأتي, كما قدموا سويا أوبريت عن أبطال الغرام روميو وجولييت, وقيس وليلي, وكليوباترا وأنطونيو وذلك في فيلم الحب في خطر, وكان يستطيع أن يقدم جميع الأشكال الموسيقية حتي أن أحد أصدقائه كان يتزوج فغني له كان بدري عليك. محمد فوزي ملحن عظيم وعبقري, كان ناجحا في كل ما قدم, تمر ذكراه دون احتفال يليق به, فما زلنا نحتاج إلي عمل دراسات أكثر عن أعماله, وندوات وحفلات وبرامج وسهرات تعرف بهذه القامة, ونعطي له حقه لأنه قدوة في الإخلاص لعمله ولوطنه. المبدع المجدد كان فوزي مبدع له رؤيته الخاصة, فرغم حبه للموسيقي السابقة له خاصة سيد درويش, إلا أنه كان مجددا, خارج عن السائد والمألوف ورغم النقلة التي أحدثها بألحانه في الموسيقي إلا أنها كانت قريبه من المستمعين ولم ينتقدوها, وطوع الموسيقي ليستطيع أن يقدم بها كل الأشكال الغنائية وهنا تكمن العبقرية التي لم تجد من يحتفي بها. وأشار الموسيقار حلمي بكر إلي وجود مشكلة في تقدير المبدعين, وقال لا نهتم بالعباقرة أو من صنعوا ريادة مصر, لأن الموظفين هم المسيطرون, فالموسيقار محمد فوزي قيمة وقامة, حيث غير هو والقصبحي شكل الموسيقي ونقلوها نقلة إلي المستقبل, فاستطاع في زمن التقليدية أن يأخذ الموسيقي إلي الحداثة وكان مجددا وهذا سر تذكرنا له, وكان أول من قدم الغناء الاستعراضي, وقدم أغاني وطنية, وللأطفال, وديني, ورسخت أعماله في الأذهان, والاحتفال لا يكون بالحفلات فقط ولكن بالدراسات التي تقام عنهم أو عمل جائزة سنوية لاسم كل العظماء الذين أعطوا لمصر الكثير, ويشترك في ذلك المحافظات وقصور الثقافة.