ترمومتر استقرار النفط في العالم.. هل يتحول إلي شرارة انفجار الوضع في المنطقة? جاء تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز ومنع تصدير النفط الخليجي للعالم في إطار الحرب الكلامية التي تشتعل بين الحين والآخر مع أمريكا, خاصة مع زيادة الضغوط الأمريكية علي طهران في الآونة الأخيرة والتي شملت الانسحاب الأمريكي, من الاتفاق النووي من جانب واحد, علاوة علي العقوبات الاقتصادية وحظر صادرات إيران النفطية.. فأي اتجاه فعلي من إيران لإغلاق المضيق قد يهدد بإشعال حرب ضدها لتفرض حالة من الغليان علي الوضع بالمنطقة من الجانبين الأمريكي والإسرائيلي وقد يكون هذا الإجراء غير المسبوق مبررا لاشتعال الموقف بالمنطقة بأسرها. والسؤال الآن: هل من الممكن أنتلجأ إيران لهذه الخطوة التي تضر بالاقتصاد العالمي وأسواق النفط كإجراء انتقامي وانهيار عملتها المحلية مع وقف صادراتها النفطية؟ وما تداعيات هذه الخطوة علي المنطقة؟, وحكم إغلاق المضايق والممرات المائية وفقا للقانون الدولي.. هذا التحقيق يجيب عن هذه التساؤلات. في البداية يقول د. محمد مجاهد الزيات الرئيس السابق للمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط: إن كبار المسئولين في إيران أعلنوا أن تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني بشأن إغلاق المضيق تم فهمها بشكل خاطئ, موضحا أنها تأتي في إطار حرب إعلامية متبادلة بين أمريكاوإيران. وقال د. الزيات إنه لا يمكن أن تتجه إيران لذلك إلا في حالة مواجهة عسكرية مع أمريكا, وهنا قد تمنع إيران الملاحة في مضيق هرمز. وأضاف قائلا: لا أعتقد أن تصل الأمور لمواجهة عسكرية, فنظام الحكم في إيران قد يلجأ لتنازلات من أجل حلول وسط مع الجانب الأمريكي. وحول الأهمية الإستراتيجية للمضيق, يقول د. مجاهد إنه يوفر60% من احتياجات العالم من البترول, مشيرا إلي أن الجزء الصالح للملاحة في المضيق يمثل10 كيلومترات من المياه العميقة التي تمر بها ناقلات البترول. وأشار إلي أن المضيق توجد به قطع بحرية أمريكية وفرنسية وبريطانية ولا يعقل أن يتم إغلاقه, كما توجد بالقرب منه قاعدة العيديد الأمريكية في قطر. قناة السويس من جانبه يقول د. طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية: إن تهديدات إيران بإغلاق المضيق مجرد مناوشات إعلامية, مشيرا إلي أنه لا يمكن غلق المضيق ولن تستطيع دولة الإقدام علي ذلك. وأضاف د. طارق أن إغلاق الممرات المائية والمضايق يخضع للقانون الدولي العام, فإيران تتحكم في تمرير النفط لكنها ليست أكثر من منفذ دولي عالمي. ويشير إلي أن إغلاق المضيق هو خيار شمشون بالنسبة لإيران في إطار تعاملاتها مع القوي الغربية, وأن هذا الأمر بالنسبة لإيران يأتي في إطار إستراتيجية الردع ضد الغرب وأن إغلاق المضيق يدخل في إطار الخيارات الإيرانية والأوراق الضاغطة للاستخدام عند الضرورة. وبالنسبة للأهمية الإستراتيجية للمضيق يقول د.طارق: إن له أهمية بالغة الخطورة حيث يعد واحدا من أهم المضايق علي المستوي الدولي لنقل النفط إلي الخارج, وأضاف د. طارق أن المضيق يعد ترمومتر استقرار النفط في العالم وبناء علي ذلك هناك حرص دولي كبير للتعامل معه وعدم إغلاقه. تاريخيا, يؤكد د. طارق أن المضيق لم يغلق في الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة وكانت هناك تهديدات بإغلاقه خلال الحرب الإيرانيةالعراقية وخلال حروب الخليج. مشيرا إلي أن الولاياتالمتحدة وروسيا ألمحتا لإغلاق المضيق وغيره من الممرات المائية خلال الحرب الباردة, ولكن لم يستطع أي طرف تنفيذ هذا التهديد, مشيرا إلي أن هذا المضيق يعني استقرار أسواق النفط في العالم. وبالنسبة لتأثير إغلاق المضيق المحتمل علي مصر يقول د. طارق إن قناة السويس لن تتأثر في حال إغلاق المضيق فليس هناك تأثير مباشر عليها, لأن ما يهم مصر البحر الأحمر ومضيق باب المندب, ولكن هناك تأثيرا من خلال التبادلات النفطية من وإلي دول الخليج. القانون الدولي من جانبه يؤكد د. أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي أنه لا يحق لأي دولة أن تهدد بإغلاق أي مضيق أو ممر دولي, فالمرور من المضايق العالمية وأيضا الوصول إليها حق مكفول لكل الدول دون استثناء. وأضاف أن هذا الحق يعد من أهم الحقوق الدولية التي أسسها القانون الدولي للدول ذات السيادة للوصول والمرور من المضايق. وأشار إلي أن هذه ليست المرة الأولي التي تهدد فيها إيران بإغلاق المضيق, حيث سبق وهددت بذلك خلال حرب الخليج الأولي مع العراق ما بين1980 و1988, وهددت كثيرا بعد ذلك, مشددا علي أنهذا التهديد من جانبها جعجعة فارغة. وأضاف د. سلامةأنه لا توجد دولة هددت بإغلاق مضيق دولي إلا إيران, ووصف تصريحاتها بهذا الشأن بغير المسئولة, وأكد أنمضيق هرمز أحد أهم الممرات المائية في العالم, وما زاد من أهميته في العصر الحديث هو اكتشاف النفط في الدول المحيطة به, كما اكتسب أهميته من كونه عنق الزجاجة في مدخل الخليج العربي, وبحكم أنه يربط بين الخليج العربي وخليج عمان. وأشار د. سلامة إلي أنمضيق هرمز من الناحية القانونية من المضايق الدولية, فهو يربط بين خليج عمان والخليج العربي, الذي تسكن شواطئه من الشرق: إيران, ومن الغرب: السعودية, والإمارات, وقطر, والبحرين, والكويت, ومن الشمال العراق, ومن الجنوب عمان. المركز القانوني ومن ناحية المركز القانوني يمثل مضيق هرمز وفقا للدكتور سلامة ممرا طبيعيا وحيويا للتجارة الدولية, يصل بين بحرين ويشكل مياها إقليمية للدول المطلة عليه, وهي إيران وسلطنة عمان, حيث تمتلك كل منهما بحرا إقليميا محددا باثني عشر ميلا, وبما أن مياهه تعتبر مياها إقليمية, فإنها تخضع لمبدأ المرور البري, بمعني أن كل السفن الأجنبية, دون استثناء, تتمتع بحق المرور والملاحة فيه, بالإضافة إلي أن منطقة الخليج العربيتعد بحرا شبه مغلق, لذلك يشكل مضيق هرمز المنفذ الوحيد لعدد من دول الخليج العراق, الكويت, قطر, البحرين وهي تعد أكثر ارتباطا بالمضيق مقارنة بغيرها مثل إيران, وعمان, والسعودية, والإمارات التي لها منافذ بحرية خارج مياه الخليج ومن ثم فإن صلتها البحرية بالعالم الخارجي لا يمكن أن تقوم إلا عبر مياه مضيق هرمز, لذلك خصص ممران ذهابا وإياباللملاحة في المضيق وفقا للخصائص الهيدروغرافية المحددة من قبل المنظمة الدولية للملاحة البحرية. وذكر د. أيمن سلامة أنه خلال مناقشة الأحكام القانونية للمضايق في المؤتمر الثالث للأمم المتحدة لقانون البحار وقبل التوقيع علي الاتفاقية الجديدة حدث صراع بين الدول الكبري والدول النامية حول النظام القانوني للمضايق المستخدمة للملاحة الدولية, وقد وافقت الدول الكبري علي بقاء هذه المضايق مفتوحة وخاضعة لنظام المرور العابر بالنسبة للسفن جميعها بما فيها السفن الحربية والطيران. أما الدول الشاطئية لهذه المناطق فكانت تسعي إلي تطبيق مبدأ السيادة الإقليمية علي هذه الممرات المائية الدولية, وإخضاعها لنظام المرور البري الذي يفترض فيه مرور السفن والطائرات التجارية دون السفن والطائرات الحربية التي يشترط لمرورها الإذن المسبق. حق المرور ويقول د. سلامة: إن اتفاقية الأممالمتحدة الجديدة لقانون البحار اعتمدت حق المرور العابر للسفن والطائرات في المضايق المستخدمة للملاحة الدولية بين جزء من أعالي البحار وبين منطقة اقتصادية خالصة وجزء آخر من أعالي البحار ومنطقة اقتصادية خالصة, وأوضحت الاتفاقية حقوق وواجبات السفن التي تمر في المضيق, وحقوق وواجبات الدول الساحلية المطلة عليه, وتنطبق هذه الأحكام علي مضيق هرمز. وأشار إلي أنالمسئولين الإيرانيين هددوا بإغلاق مضيق هرمز في وجه الملاحة الدولية في عدة مناسبات, وعلي سبيل المثالهدد الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني رسميا بإغلاق المضيق أو ضربه إذا اقتضت الظروف ذلك, مشيراإلي أن إيران ليست في حاجة إليه. قدرة إيران وأضاف أنه علي الرغم من الصعوبة النظرية والعملية في قدرة إيران علي تعطيل الملاحة في مضيق هرمز, فضلا عن إغلاقه لمدة طويلة, إلا أن هذا لا يلغي قدرتها في الوقت نفسه علي تشكيل خطر حقيقي علي إمدادات الطاقة عبر هذه المنطقة من العالم, خاصة في ظل التهديدات التي تجاوزت غلق المضيق إلي تهديد دول المنطقة المصدرة إذا ماحاولت تعويض صادرات النفط الإيرانية في الأسواق العالمية. ووفقا للدكتور سلامة تشير الخبرة التاريخية إلي أن تهديد إيران بإغلاق المضيق أصبح بمثابة تهديد تستعمله طهران في كل أزمة تواجهها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية, وقد لا تفكر إيران في إغلاقه من منطلق أنها تستفيد منه بدرجة كبيرة, أو تجنبا للإشكاليات القانونية المرتبطة بهذا الإغلاق, ولكن يمكنها أن تعيق حركة المرور في المضيق, من خلال المبالغة في الإجراءات الرقابية والتفتيش للناقلات النفطية, الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلي اختناق الحركة ويعطل تدفق النفط. وعلي صعيد آخر قد تخشي إيران أن تدخل في مغامرة من النزاع المسلح المباشر مع الولاياتالمتحدة, إذ لن تقتصر ردود الأفعال الأمريكية علي التصدي لتلك المغامرة غير المحسوبة في المضيق والخليج العربي, ولكن قد تضطر واشنطن إلي إجهاض القدرات الإيرانية بدرجة كبيرة عن طريق تدمير البنية التحتية الإيرانية العسكرية والنووية أيضا. تالتحرك الغربي ويؤكد د. سلامة أن المراقبين للشأن الإيراني يكادون يجمعون علي أمرين, الأول: هو قدرة إيران العسكرية علي تنفيذ تهديداتها بالإغلاق من خلال الألغام البحرية والقوارب السريعة والغواصات والصواريخ المضادة للسفن, والثاني: هو قدرة القوات العسكرية الأمريكية منفردة أو مع حلفائهاعلي التصدي للمغامرة الإيرانية إذا حدثت,وإعادة فتح المضيق, وقد تستغرق هذه العملية العسكرية الضخمة أياما أو أسابيع, أو تمتد شهورا, ويعد تطهير الألغام البحرية التي ربما تزرعها إيران في المضيق العامل الحاسم في إطالة أمد العملية الأمريكية المضادة للتهور الإيراني بإغلاق المضيق. تحقائق تاريخية يعد مضيق هرمز أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها حركة للسفن, يقع في منطقة الخليج العربي ويفصلبين مياه الخليج العربي من جهة ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخري, فهو المنفذ البحري الوحيد للعراق والكويت والبحرينوقطر. تطل عليه من الشمال إيران محافظة بندر عباس ومن الجنوب سلطنة عمان محافظة مسندم التي تشرف علي حركة الملاحة البحرية فيه باعتبار أن ممر السفن يأتي ضمن مياهها الإقليمية. يعتبر المضيق في نظر القانون الدولي جزءا من أعالي البحار, ولكل السفن الحق والحرية في المرور فيه ما دام لا يضر بسلامة الدول الساحلية أو يمس نظامها أو أمنها. يضم المضيق عددا من الجزر الصغيرة غير المأهولة أكبرها جزيرة قشم الإيرانية وجزيرة لارك وجزيرة هرمز, إضافة إلي الجزر الثلاث الإماراتية المعتدي عليها من جانب إيران وهي طنب الكبري وطنب الصغري وأبو موسي. ويبلغ عرض المضيق50 كيلو مترا, وعمقه60 مترا فقط, ويبلغ عرض ممري الدخول والخروج فيه ميلين بحريين أي5,10 كيلو متر. وتعبره20 30 ناقلة نفط يوميا بمعدل ناقلة نفط كل6 دقائق في ساعات الذروة, محملة بنحو40% من النفط المنقول بحرا علي مستوي العالم. أطماع الدول الكبري ولموقع المضيق الإستراتيجي, فإنه لم يستطع الإفلات عبر التاريخ من الأطماع وصراع الدول الكبري للسيطرة عليه, فمنذ القرن السابع قبل الميلاد وهو يلعب دورا دوليا وإقليميا مهمامن حيث الإسهام في التجارة الدولية. وقد خضع للاحتلال البرتغالي ثم سائر الدول الأوروبية خصوصا بريطانيا لتنتشر الشركات الغربية المتنافسة, ويتراجع الأمن مع غزوات القراصنة. اعتبرت بريطانيا المضيق مفترق طرق إستراتيجية, وطريقا رئيسيا إلي الهند, فتدخلت بأساليب مباشرة وغير مباشرة في شئون الدول الواقعة علي شواطئه لتأمين مواصلاتها الضرورية, ففرضت الاحتلال وتصارعتمع الفرنسيين والهولنديين لسنوات طويلة, إضافة إلي صدامها مع البرتغاليين ابتداء من العام1588 بعد معركة الأرمادا وإثر إنشاء شركة الهندالشرقية, وبذلك ضمنت بريطانيا السيطرة البحرية علي هذه المنطقة. لم تكن الملاحة يوما عبر هذا المضيق موضوع معاهدة إقليمية أو دولية, وكانت تخضع الملاحة في المضيق لنظام الترانزيت الذي لا يفرض شروطا علي السفن طالما أن مرورها يكون سريعا, ومن دون توقف أو تهديد للدول الواقعة عليه. رهان إستراتيجي مع اكتشاف النفط تزايدت أهمية المضيق الإستراتيجية للاحتياطي النفطي الكبير في المنطقة, وقد دفعت الأزمات السياسية السابقة دول المنطقة إلي التخفيف من اعتمادها علي هذا المضيق, في فترات سابقة, والاستعانة بمد خطوط أنابيب نفط, إلا أن هذه المحاولات بقيت محدودة الأثر خصوصا بالنسبة إلي استيراد الخدمات والتكنولوجيا والأسلحة. ظل المضيق موضوع رهان إستراتيجي بين الدول الكبري, فالاتحاد السوفيتي السابق كان يتطلعإلي الوصول إلي المضيق لتحقيق تفوقه المنشود, والتمكن من نفط المنطقة, بينما سعت الولاياتالمتحدة إلي إطلاق أساطيلها في مياه المحيط الهندي والخليج العربي وعمقتالروابط السياسية والتجارية والعسكرية مع دول المنطقة ضمانا لوصولها إلي منابع النفط والإشراف علي طرق إمداده انطلاقا من مضيق هرمزالذي تعتبره جزءا من أمنها الوطني باعتبار أن تأمين حرية الملاحة فيه مسألة دولية بالغة الأهمية لا سيما وأنه الطريق الأهم لإمدادات النفط العالمية.