يقترب من فراشها بخطوات وئيدة, يسأل في همس إن كانت مستيقظة, تدير وجهها ناحيته, تبتسم له, يقترب أكثر, وعلي حافة الفراش البالي يجلس وقد فاض وجهه الأسمر بمحبة جارفة, يأخذ يدها, يقبلها في حنو, تدمع عيناها فيبادلها دموعا بدموع, تقول في صوت واهن: أنا آسفة.. أتعبتك معي كثيرا, يقول في صدق: بل أنت سامحيني.. واغفري عجزي.. فوالله هذا أقصي ما أستطيع. أمل امرأة في عقدها الثالث, وبدلا من أن تكون في عنفوان شبابها, وقمة عطائها لزوجها وطفليها, ها هي ترقد طريحة الفراش منذ سنوات خمس, أقعدها شلل نصفي نتيجة إصابتها بعدوي أثناء تلقي العلاج في أحد المستشفيات الحكومية, دخلت إليه بعد أن أجهضت حملها, وفقدت الكثير من دمها نتيجة نزيف حاد, واحتاجت إلي نقل دم, فنقل لها دم ملوث, أو فاسد ربما, فكانت النتيجة أن أصيبت بالتهابات في الحبل الشوكي, وتضاعف المرض إلي تدرن الحبل الشوكي, واشتباه إصابته بأورام. يتناهي إلي سمع أمل صوت طفليها يتشاكسان, تسأل زوجها إن كان تناولا طعامهما أم لا, فيطمئنها أنهما بخير, ويقول مازحا: لو كانا جائعين لما تشاجرا ولا سمعت لهما صوتا, تضحك في وهن, يري في عينيها شوقا إلي الطفلين فيناديهما, لحظات ويدخلان الغرفة, يتدافعان ويتسابقان في القفز إلي السرير ويحيطان بأمهما عن اليمين وعن الشمال, يميل أكبرهما, وهو في العاشرة من عمره, ويقبل جبينها, تضمه إليها في حنان, تسأله كيف حال مدرسته؟ وهل يذاكر أم لا؟ لا تنتظر إجابات, تندفع في الحديث إليه, توصيه أن يهتم بأخيه الأصغر, وألا يضربه. منذ اجتاح المرض جسدها, قبل خمس سنوات, وأمل تتنقل بين مستشفي وآخر, تزور أقسام المخ والأعصاب, تمكث أسبوعا أو أسبوعين في المستشفي ثم تخرج, تتلقي العلاجات والأدوية في صبر وتسليم, لكن الحالة تزداد سوءا, والأطباء في حيرة من أمرهم, والضوء في آخر النفق يزداد خفوتا, حتي كاد يتلاشي, ولا تعرف أمل ماذا تصنع؟ وزوجها رجل علي باب الله, ترزي بلدي بالكاد يكسب قوت يومه وما يكفي لتلبية مطالب أسرته الحياتية البسيطة, ورحلة العلاج أرهقته ماديا, كما شغلته عن عمله الذي يتكسب منه حتي انفض عنه زبائنه القليلون وقل دخله وازداد فقرا وعوزا, لكنه, وفي شهامة أولاد البلد, لا يتخلي أبدا عن رفيقة دربه, يفعل كل ما يستطيع رغم أنه قليل, يقتله العجز وهو يراها طريحة الفراش تحتاج إلي من يخدمها ويراعي شئونها, وهو غير قادر علي مد يد العون لها. تناشد أمل سيد سيد أحمد, المصابة باشتباه وجود ورم في الحبل الشوكي, وتدرن في الحبل الشوكي والفقرات الصدرية, وهي أم لطفلين, وزوجها علي باب الله, وزير الصحة, التدخل والتوجيه بعلاجها علي نفقة الدولة, رفقا بحالتها الصعبة ماديا وصحيا, وحتي تعود لرعاية طفليها وهما في أشد الحاجة إلي رعايتها في هذه السن الصغيرة.