تتسم العلاقات المغربية الإيرانية منذ نجاح الثورة الإسلامية في إيران بالمراوحة بين الهدوء والقطيعة, فبالرغم من الأهمية الإستراتيجية التي توليها إيران لدول المغرب العربي, فلم تستطع طهران المحافظة علي علاقات جيدة ومستمرة مع المغرب, الأمر الذي انعكس علي نمط سياسة النظام الإيراني إزاء المغرب, باتجاه اعتماد سياسة المحاصرة وممارسة الضغوط. وشهدت هذه العلاقات العديد من الأزمات التي بلغت حد قطع العلاقات لثلاث مرات, كان أولها عام1981 عندما استقبل المغرب الشاة محمد رضا بهلوي بعد عزله, وأعلن الإمام الخميني اعتراف طهران بشكل رسمي ب الجمهورية العربية الديمقراطية الصحراوية, التي أعلنتها جبهة البوليساريو من الجزائر عام1977, قبل أن تعود مرة أخري عام1991, غير أن التراشق الإعلامي بين البلدين قد شهد تصاعدا بعد عودة العلاقات الرسمية, لاسيما مع وقوف المغرب إلي جانب البحرين بعد إعلان مسئولين إيرانيين أن البحرين محافظة إيرانية, فضلا عن اتهام المغرب البعثة الدبلوماسية الإيرانية في الرباط بممارسة نشاط تشيعي, يهدف إلي تغيير المقوم الديني في المغرب, بينما عادت العلاقات الدبلوماسية مرة أخري خلال عام2016, بعد التوافق علي شروط قوامها احترام السيادة الوطنية, والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. إلي أن أعلن المغرب في1 مايو الحالي قطع العلاقات الرسمية مع طهران مجددا وطرد السفير الإيراني من البلاد, علي خلفية اتهامات لطهران بدعم جبهة البوليساريو بالتدريب والسلاح من خلال عناصر تابعة لحزب الله اللبناني في الجزائر. إزاء هذا الوضع المركب للأزمة الأخيرة بين المغرب وإيران, ودخول أطراف أخري ضمن اتهامات الرباطلطهران, يمكن القول إن الخلاف الأخير لم يكن وليدة اللحظة, وإنما يخضع لتراكمات عدة, ويعد انعكاسا لملفات خلافية عدة بين البلدين. منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران, تنظر الأخيرة لجبهة البوليساريو علي أنها أحد أهم أوراق الضغط التي يمكن ممارستها علي المغرب, واستخدام موقفها من الجبهة كأداة عقابية ضد الرباط بسبب مواقفها من ملفات مهمة تمس إيران, وذلك منذ أعلن الخميني دعمه للجبهة ردا علي استقبال المغرب للشاة المعزول, غير أن تصعيدا غير محسوب من جانب إيران قد مارسته خلال السنوات الماضية علي المغرب من خلال دعم مالي وعسكري للجبهة التي تسعي إلي تكوين فيلق عسكري في مواجهة المغرب, من خلال عناصر تابعة لحزب الله اللبناني الذي رصدت له تحركات عده في الداخل المغربي لعل أهم هذه التحركات قد تم الكشف عنها من خلال اعتقال قاسم محمد تاج الدين المسئول المالي في حزب الله بمطار الدار البيضاء في12 مارس.2017 يأتي ذلك علي خلفية دعم المغرب لمواقف عربية عدة تمس المصالح الإيرانية منها دعم البحرين في موقفهما من تحركات الشيعة في الداخل بدعم من إيران, وكذلك موقف المغرب من دعم إيران للحوثيين في اليمن, وتأييده للتحالف الداعم للشرعية, ومشاركته في عاصفة الحزم. بالإضافة إلي التقارب المغربي الخليجي, والتوافق علي كثير من ملفات المنطقة, وخصوصا عقب عقد قمة مغربية خليجية في إبريل.2016 خلال السنوات الماضية سعت إيران إلي توطيد علاقاتها السياسية والثقافية مع الجزائر, واستغلال الخلاف الجزائري المغربي علي ترسيم الحدود بين البلدين, واستخدامها كمنصة لتهديد المصالح المغربية, فيما يعد التهديد المذهبي أحد نقاط الحذر المغربي الدائم من إيران, لاسيما بعد رصد تحركات لشبكات إيرانية تسعي لنشر التشيع, أهمها شبكة بلعيرج التي أعلنت المملكة تفكيكها عام.2008 وكذلك شبكة أنصار المهدي. فيما تجدر الإشارة إلي أن التصريح المغربي بتورط الجزائر في تسهيل عمليات تلقي أعضاء جبهة البوليساريو تدريبات علي يد عسكريين من حزب الله المدعوم من إيران يفسر إلي حد كبير التوجس المغربي من وجود إيران وحلفائها علي الأراضي الجزائرية, لاسيما في ظل مساعدتهما للجبهة الانفصالية. فضلا عن توافق المواقف الجزائرية مع المصالح الإيرانية في المنطقة, وبصفة خاصة الموقف من الصراع الدائر في سوريا, حيث تدعم الجزائر ضمنيا نظام الرئيس بشار الأسد وذلك من خلال دعم خيار بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة. تلقي خطوة قطع المغرب علاقاته الرسمية الدبلوماسية مع إيران بظلالها علي العزلة الإيرانية المتزايدة في محيطها الإقليمي, وفي وقت تواجه فيه ضغوطا غربية بشأن الاتفاق النووي مع الغرب, بعد تلويح الولاياتالمتحدة بإمكانية انسحاب واشنطن من الاتفاق, وهو ما يفرغه من مضمونه ويعرض إيران لتبعات تراجع المكاسب التي تحققت لها من التخلي الجزئي عن العقبات الدولية التي فرضت عليها لسنوات. ومن جانب آخر, تعد هذه الأزمة مؤشرا جديدا علي إمكان تصاعد الخلاف المغربي الجزائري, لاسيما مع اصطفاف الجزائر إلي جانب إيران, وتصريحها واستنكارها للموقف من قطع العلاقات مع إيران, واستدعاء السفير المغربي, لسؤاله حول اتهام الجزائر في هذه الأزمة. واعتبار التصريحات المغربية حملة هجومية جديدة علي الجزائر. وعلي صعيد أخير تصب الأزمة المتجددة بين المغرب وإيران, في خانة التقارب المغربي العربي لاسيما الخليجي, لاسيما مع المواقف المتوافقة بين الطرفين في كثير من قضايا المنطقة, ويضيف هذا الخلاف نقطة توافق جديدة تتمثل في التوجس من التمدد والسياسات الإيرانية في المنطقة.