تناولت منذ أسبوعين مئوية وعد بلفور من منطلق رؤية حيال المئوية الثانية لا سمح الله-, و لم أكن لأدرك أن ثمة عجالة تبنت افتتاح المئوية الجديدة بتفعيل قانون القدس و اعتبارها عاصمة للكيان الصهيوني. و القضية في رأيي تنبني في الرفض علي عدة محاور أولها يرتبط بشرعية الكيان ذاته; إذ علي الرغم من الاعترافات العربية و الدولية بهذا الكيان و التي جاءت مشروطة من الجانب العربي بإعلان الدولة الفلسطينية, إلا أن هذا التحرك الأمريكي يمثل خرقا للعرف الدولي بذات القدر الذي يمثل فيه موقف الكيان الصهيوني المستفيد نكوصا عن معاهدة دولية ملزمة لكل أطرافها. و إلحاقا بذلك يأتي خطاب نائب الرئيس الأمريكي الأخير و الذي كان من السفور في الربط بين المصير الأمريكي و الإسرائيلي ليجعلنا نعيد النظر في صياغة العلاقة مع أمريكا بإدراج المصلحة الإسرائيلية كمفرد رئيسي لا يمكن تجاهله أو تأجيله في أية محادثات دولية.مما يلزمنا بحتمية البحث عن وسائل تفعيل لمقتضيات مصلحتنا العليا, بغية إحداث التوازن المرحلي المنشود في ضوء الواقع العربي المعاصر. و من أهم المحاور التي ينبغي التأكيد عليها أن يتولي الشعب الفلسطيني بكل أطيافه القيام بمسئوليته المأمولة حيال القضية مقابل المسئولية التاريخية للأمة العربية و الإسلامية, و هو توجه ليس بالهين إذا أحسن استخدامه و توظيفه بالشكل الأمثل الذي من شأنه أن ينعكس علي المجتمع الدولي بمستوييه الرئيسيين التحالفي و الحيادي المرتبطين بالقضية. في حين يظل محور التحرك الدولي العام بحاجة إلي استثمار قرار اليونسكو حيال القدس, باعتبار الموقف الأمريكي حالة من حالات الاستعلاء تجاه المجتمع الدولي الذي تمثل منظمة اليونسكو إحدي مفردات ضميره. و أحسب أن التوافق العربي و الإسلامي علي اعتبار القدس عاصمة مقدسة للأمتين العربية و الإسلامية و حتي إعلان الدولة الفلسطينية المأمولة, مع اتخاذ التدابير الفعلية بهذا الشأن يمكن أن يحرك قضية القدس في اتجاه آخر. و قد تأتي تبعا لذلك علي المستوي الدبلوماسي مسألة العزل المعنوي بالمقاطعة متعددة الأبعاد للدول التي قد تتماشي مع القرار الأمريكي. بيد أن ما يهمني في هذا الصدد ألا نستنيم لفكرة تأجيل القرار لعدة مدد بواقع ستة أشهر للمرة الواحدة وفقا لقانون القدس, في محاولة لتهدئة الخاطر العربي إن كان مايزال يهم( الديناصور) الأمريكي أو بالأحري بلفور( الثاني).!! لأن رد الفعل الطبيعي أمام محاولة أقزمة ما تبقي لنا من عملقة تاريخية, هو أن نسترجع من التاريخ هوية ذلك الكيان المفروض علينا. ليبقي السؤال الأبدي الذي لا ينبغي علينا الإنفكاك منه قيد شعرة و هو هل هناك بالفعل دولة بمثل ظروف( إسرائيل) يمكن أن يكتب لها البقاء؟؟, إنها جدلية الماضي و الحاضر و المستقبل التي ينبغي أن تكون أحد منطلقات دراستنا في كل المراحل. بعدما ألغينا من الكثير من مناهجنا التعليمية و من أولوياتنا الفكرية و السياسية و الثقافية ما درجنا علي تسميته بالقضية الفلسطينية. لننشغل بدلا منها بقضايا العولمة و الشرق أوسطية و غيرها من مذيبات الهوية التي أوردتنا موارد الفوضي الخلاقة و ما تلاها من( ربيع) عربي, هو في الواقع ربيع بلا أغصان مورقة أو بلابل صادحة بل معزوفات طائفية و داعشية أتت و ما تزال علي بقايا أخضرنا, لتزيد من مساحة يابسنا الذي لن يشتد به عودنا بل سيتسع به طمس وجودنا قدسا و عروبة و اعتقادا. ( إشراقات السعدي145): تناولنا لأي موضوع أصبح مثل الجدل حول النظر لنصف الكوب سواء فارغا أم لا, رغم عدم وجود كوب أصلا.