لسنا بصدد قبول أو رفض ما انتهت اليه جلسة الجمعية العمومية لمجلس الدولة, من رفض تعيين المرأة في الوظائف القضائية(334 صوتا لصالح الرافضين و42 صوتا لصالح المؤيدين و4 اصوات امتنعت عن التصويت). فهذا شأن خاص بأعضائها, لكننا نتوقف عند الدلالات والرسائل التي انتجتها تلك الجلسة وتوصياتها, وكيفية التعامل معها خاصة فيما يتعلق بإعمالها أو عدم الاعتداد بها. وبحسب التوصيف القانوني فمجلس الدولة هيئة قضائية طبيعية ضمن الهيئات القضائية الثلاث في مصر, القضاء العادي وعلي رأسه محكمة النقض, القضاء الدستوري وهو مكون من محكمة واحدة, والقضاء الإداري ويمثله مجلس الدولة, ويختص المجلس بالفصل في المنازعات الإدارية التي تثور بين الأفراد والجهات الحاكمة في الدولة, ويقوم بإلغاء القرارات الصادرة من الحكومة ويتكون من ثلاثة أقسام: القسم القضائي وقسم الفتوي وقسم التشريع. القسم القضائي يضم أربعة أنواع من المحاكم هي المحاكم الإدارية والمحاكم التأديبية ومحكمة القضاء الإداري والمحكمة الإدارية العليا بالإضافة إلي هيئة مفوضي الدولة, ويضم قسم الفتوي مجموعة من الإدارات أو الأقسام المتخصصة بإبداء الرأي القانوني في المسائل التي تحتاج إلي ذلك ويقوم بنصح الحكومة في الأمور القانونية, ويختص قسم التشريع بدراسة كل القوانين واللوائح التي تزمع الدولة إصدارها, ويمكن القول في النهاية ان مجلس الدولة بقسمه القضائي المهم هو حصن الحقوق والحريات في البلاد وهو الذي يكبح جماح الجهات الإدارية إذا حادت عن جادة الصواب وصحيح حكم القانون. ومن هنا نقف علي طبيعة عمل مجلس الدولة بآلياته المختلفة, لنكتشف أنه لا يفصل فيما ينشأ بين الأفراد الطبيعيين وبعضهم من منازعات أو خصومات بل بين الأفراد والجهات الحكومية ويضبط القوانين واللوائح لتأتي متسقة مع صيانة الحقوق والحريات, ومن هنا فلا محل للعاطفة أو للهوي عند من يتصدي للفصل فيما يعرض عليه, بل هو أقرب للعمل البحثي العلمي, وعليه تبطل حجة من يقول إن المرأة لما لها من عاطفة متميزة قد تتأثر في احكامها بما يؤثر سلبيا علي قراراتها واحكامها. ولا يخفي علي من يتابع الحراك القضائي في السنوات الأخري في الفضاء العام أن ثمة تغيرات قد شابته, حتي صار من المألوف أن نجد رموزا قضائية مازالت تعمل في محراب القضاء تطل علينا عبر شاشات الفضائيات وصفحات الجرائد لتدلي بدلوها في قضية عامة مثارة, بل وبعضهم لم يجد غضاضة في أن يتبني توجها سياسيا بعينه ويعلن ذلك في المحافل العامة, وقد ذهب البعض إلي ما هو ابعد من هذا فصرنا نري قاضيا يعتلي المنصة وفي مظهره وملبسه ما يعلن بجلاء هويته الدينية بل والمذهبية, وهو أمر في ظني يتعارض مع حيادية القاضي وفقا لموقعه المنوط به الفصل بين من يقصدونه بغض النظر عن الفوارق والانتماءات الاجتماعية والنوعية والدينية والاقتصادية وغيرها ويلتمسون العدالة عنده, وضوابط الحيادية أفاض في تجسيدها الأديب المبدع توفيق الحكيم' يوميات نائب في الأرياف' علي خلفية خبراته الوظيفية السابقة حين كان يعمل في سلك القضاء. وكان من اللافت في جلسة الجمعية العمومية تلك أمران كان أولهما محاولة الدكتور المستشار محمد البيومي نائب رئيس مجلس الدولة أن يعرض دراسة شرعية أعدها تنتهي إلي أن الشريعة الإسلامية لا تعارض تعيين المرأة قاضية وقد حشدها بالنصوص والأسانيد والوقائع المؤيدة لهذا, وهو الفقيه المتخصص بحسب دراساته المنشورة في الشريعة الإسلامية, لكنه لم يجد من يستمع له وكأنه يتواجه مع حشد شعبوي ثائر وراء هدف دونه الموت. وهنا تقفز علامات التعجب والاستفهام معا إن لم يكن الحوار محله تجمعا يضم صفوة المجتمع المسند اليهم تحقيق العدالة ويمتلكون فضيلة سعة الصدر للاستماع للمتخالفين فأين يجد له مستقر؟! الملاحظة الثانية الجديرة بالرصد والتوقف هي انسحاب المستشار محمد الحسيني رئيس المجلس ومعه المستشار محمد عزت السيد رئيس قسم التشريع والمستشار كمال اللمعي رئيس هيئة المفوضين, ولفت المستشار الحسيني الأنظار إلي أن ثقافة المجتمع مازالت مقصورة عن استيعاب عمل المرأة في القضاء, وهنا يكون التساؤل: هل تتكون عقيدة القضاة وفقا لما يسود المجتمع من ثقافات ورؤي أم تنبني علي قواعد وضوابط قانونية وأسس علمية لا تختلف من بلد لاخر فقواعد العدالة والمساواة واحدة خاصة في ضوء حقوق الإنسان العالمية, وهل يحق لنا السؤال عن كيف يضمن المجتمع عدم اختراق مؤسساته من قبل تيار بعينه يقوده في اصرار الي ارساء قواعد الدولة الدينية, دون أن يحسب مجرد طرح السؤال تشكيكا في أحد أو في جماعة أو مؤسسة بعينها, فهو عندي سؤال استباقي يدفعنا للتدبر في تأكيد مدنية الدولة. ووفقا لمبادئ الثقافة القانونية الأولية فإنه لا يجوز لتشريع أدني أن يأتي مخالفا لتشريع أعلي, فعندما يأتي القانون مخالفا للدستور يطعن عليه بعدم الدستورية ومن ثم لا يعتد به ولا ينتج أي اثار, وكذلك الأمر فيما يتعلق باللوائح والتعليمات, وفي ظني أن القرار المشار اليه جاء مخالفا لما احتشد به الدستور من نصوص تؤكد المساواة وعلي رأسها وبشكل مباشر مادة(40): المواطنون لدي القانون سواء, وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة, لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة., فضلا عن نص المواطنة الوارد في المادة الأولي مادة(1): جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم علي أساس المواطنة والشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل علي تحقيق وحدتها الشاملة. وعلي الرغم من أن الشريعة الإسلامية وفقا لدراسات عديدة لشخوص لا يرقي اليهم الشك لا تمانع من تولي المرأة لمناصب القضاء, فقد يذهب البعض إلي أن هناك من فقهاء الشريعة من يري غير ذلك, ويرون أن القضاة الذين صوتوا لحجب هذه الوظائف عن المرأة اسسوا موقفهم علي رؤية هؤلاء الفقهاء واستندوا الي تطبيق المادة الثانية من الدستور مادة(2): الاسلام دين الدولة, واللغة العربية لغتها الرسمية, ومبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. وهذا الدفع حق يراد به باطل, ليس فقط لمخالفته للقاعدة الفقهية التي اشرنا اليها في عدم جواز مخالفة التشريع الأدني للتشريع الأعلي, بل أيضا لمخالفته لمبدأ الفصل بين السلطات, والذي يقضي بأن التشريع حق أصيل ومنفرد للسلطة التشريعية, وعليه فلا يجوز للسلطة القضائية أن تفتئت علي عمل البرلمان, وكان يتوجب علي المعترضين التقدم بمشروع قانون للبرلمان بما يرونه ليأخذ خطواته في المسار التشريعي, ولعل هذا يقودنا الي التصعيد غير المبرر للمصادمة بين رئيس المجلس وغالبية الاعضاء, وكان الأوجب الطعن علي القرار أمام المحكمة الدستورية لإلغائه. ويبقي أن العودة للقواعد الحاكمة لحركة المجتمع وفقا للدستور واحترام الفصل بين السلطات والاحتكام لقواعد الدولة المدنية هو الخيار الوحيد أمام كل الأطراف إذا كنا نبغي اللحاق بركب الدول المتقدمة التي نجحت في عبور هوة التخلف, ولعل هذا ما حمله البيان الرسمي الذي صدر عن الجمعية العمومية للقضاة والذي قالت فيه إنها نظرت أمر تعيين المرأة في الوظائف القضائية, وإنها' تدرك المبادئ الدستورية والمساواة بين المواطنين جميعا في الحقوق والواجبات, وأن تنظيم مباشرة الحقوق والواجبات لا يعني مصادرة لحق أو إهدارا لواجب وأن مبدأ المساواة المكفولة دستوريا لا يعني في مفهومه أو تطبيقه المساواة الحسابية المغلفة وإنما المساواة التي تحافظ علي دور الرجل والمرأة في خدمة الوطن دون تمييز'. وأكد أن مبادئ وأحكام مجلس الدولة كانت ولاتزال تؤكد كفالة مبدأ المساواة'. ننتظر ونري!!. في جلسة الجمعية العمومية تلك أمران كان أولهما محاولة الدكتور المستشار محمد البيومي نائب رئيس مجلس الدولة أن يعرض دراسة شرعية أعدها تنتهي إلي أن الشريعة الإسلامية وعلي الرغم من أن الشريعة الإسلامية وفقا لدراسات عديدة لشخوص لا يرقي اليهم الشك