شهدت القاهرة يوم الخميس الماضي حدثا نوعيا مهما, تمثل في التوقيع علي وثيقة إعلان القاهرة لتوحيد الحركة الشعبية لتحرير السودان- وهي الحزب الحاكم في دولة جنوب السودان- بشقيها الحكومي ومجموعة القادة السابقين. وذلك كخطوة متقدمة في اطار الجهود التي تبذلها مصر لدعم السلام ووقف الحرب الاهلية في جنوب السودان. الاتفاق تم توقيعه, تحت رعاية كل من الرئيس عبدالفتاح السيسي, والرئيس الاوغندي يوري موسفيني, وجاء ذلك عقب اجتماعات استمرت ثلاثة أيام, كتتويج لعمل ممتد وطويل الامد, وكنتيجة لجهود مصرية متكاملة لدعم ومساندة ابناء جنوب السودان.. فهذا الإعلان يمثل الشق السياسي من التحركات المصرية الهادفة الي ايقاف الحرب وتأمين الاستقرار ومساعدة النازحين علي العودة الي مناطقهم, ويأتي مكملا للجهود التنموية والانسانية التي بذلتها مصر وما زالت منذ سنوات وعقود, وذلك عبر المنح التعليمية وتقديم المساعدات والمعونات الغذائية وكذلك البعثات الطبية والأدوية المجانية وإنشاء المدارس والإمداد بالكهرباء, والمساعدة في مجالات الري والزراعة. أهمية هذا الاتفاق انه يمثل خطوة مهمة وأساسية, لوقف القتال وتحقيق الاستقرار في جنوب السودان, ويساعد علي عودة الكثير من النازحين واللاجئين الي مناطقهم الاصلية, كما انه سوف يحظي بمتابعة ومساعدة في التطبيق من الجانب المصري.. ومن الصحيح ان الكتلة التي يمثلها رياك مشار النائب السابق للرئيس الجنوبي سلفا كير ما زالت خارج هذا الاتفاق, الا اننا جميعا نعرف ان الأوضاع في جنوب السودان بالغة التعقيد بسبب طبيعة الصراع الدائر هناك, والذي تختلط فيه المواقف السياسية بالعوامل العرقية والقبلية, الأمر الذي ينتج صراعا ينتمي إلي فئة الصراعات الاجتماعية الممتدة التي تتطلب صبرا طويلا وجهدا فائقا لفك تشابكاتها, ومن ثم فإن الاتفاق يمثل انجازا مهما علي صعيد حل هذا الصراع المتداخل بطريقة الخطوة خطوة, ولا سيما ان إعلان القاهرة يمثل بشكل أو بآخر تطبيقا لما ورد في اتفاق اروشا الذي سبق توقيعه في تنزانيا2015 لمحاولة الوصول الي تسوية لايقاف الحرب في جنوب السودان, والذي نص علي المصالحة والتوحد بين الفصائل المكونة لحزب الحركة الشعبية الحاكم في جنوب السودان. من ناحية اخري فإن وثيقة القاهرة تعد احدي ثمار التفاهمات المصرية الاوغندية الساعية لتحقيق الاستقرار الإقليمي, حيث سبق للبلدين توقيع تفاهم دبلوماسي أمني لهذا الغرض, خلال زيارة الرئيس السيسي لاوغندا في ديسمبر الماضي, وبما يخدم الاهداف والمصالح المصرية الرامية الي تحقيق اكبر قدر من المصالحات التي تؤمن السلام والاستقرار في المحيط الاقليمي, وذلك كجزء لا يتجزأ من الامن القومي المصري. وهكذا فإن ما تحققه الجهود المصرية من انجازات ومساهمات فاعلة في وقف الحرب ومساعدة شعب جنوب السودان, انما تعد نجاحا بارزا للاستراتيجية المصرية الساعية الي العودة الي التفاعل الايجابي مع القارة الافريقية, وان هذا التفاعل بكل روافده يتم عبر بوابات التعاون ونشر الامن والاستقرار, سواء عبر الاسهام المميز في العمل الجماعي الافريقي, او حل الصراعات وتسوية النزاعات, او تقديم المساعدات التنموية والفنية, وكذلك دعم العلاقات الثنائية والسعي الي زيادة التبادل التجاري والاستثمارات. ولذا كان من اللافت حالة الهياج التي انتابت اعلام دولة جارة, والتي وصلت الي لطم الخدود وشق الجيوب لدي البعض, بسبب وثيقة اعلان القاهرة, وتصوير الامر وكأنه عمل تخريبي, في حين انه يمثل جهدا للسلام يعجزون عنه ولا يملكون مقوماته.