قامت الدنيا ولم تقعد لإعلان بريطانيا إحتفاءها بذكري وعد بلفور, الذي صادف هذا العام الذكري المئوية للوعد( المشئوم) حسب التعبيرالشائع في الأوساط العربية . وفي الوقت الذي حاول فيه البعض في الجانب العربي استدراج بريطانيا للإعتذار المزعوم, يأتي الفخر البريطاني بالمساهمة في إيجاد وطن لليهود بناء علي وعد بلفور وإعلان ذلك رسميا. بيد أن إستدعاء مشاهد الوعد من ذاكرة التاريخ قد باتت في الواقع أقرب إلي الوعيد الذي تحقق نكالا وتغييبا للهوية, وأصبح من تم التعاطف معهم بالأمس من قبل الحضارة المسيحية- حسب تعبير البعض- في الغرب الأوروبي, هم من يمارسون أفاعيل الشتات أو( الدياسبورا) الجديدة بأسلوب أكثر حرفية. إذ بات تعبير عرب48 بمثابة الحد الفاصل بين عروبة فلسطين وتهويدها, ولكم تمنيت أن نفطن لخطورة هذا التعبير تحديدا من خلال أبناء فلسطين في الداخل والخارج. لا سيما هذا الأخير حيث باتت جبرية التجنس وسيلة من وسائل طمس الهوية الفلسطينية في منظورالدولة العبرية, رغم البون الشاسع بين التجنس والهوية. إذ أصبح الأمر في المجمل إستهدافا لأجيال الشتات الجديد مقابل ترسيخ الإنتماء القومي لليهود من خلال المعسكرات( الكيبوتزات), مقابل استحداث( جيتو) للفلسطينيين بالداخل تشهد عليه حاليا المواضع المتاحة للدولة الفلسطينية المأمولة. الأمر الذي جعل من المشهد برمته بمثابة حالة من إسقاطات العقد النفسية بأسلوب تبادلي أسوأ ما فيه أنه لم يشف غليل المعتدي ولم يثن المعتدي عليه عن كفاحه. والواقع أن ذكر كلمة الصهيونية في إعلان الوعد ليستوقفنا لندرك تماما أنها حلقة مكملة لأكذوبة السامية ومعاداتها, التي دفعت ببني إسرائيل إلي إشهارها كتهمة دولية بمثابة السيف المسلط علي رقاب المعارضين قد تؤدي بهم إلي غيابات السجون!!. وقد يسأل سائل ولم إعتبرت الأممالمتحدة الحركة الصهيونية حركة إرهابية لفترة لم تلبث بعدها أن رفعتها من قوائم الإرهاب؟؟!. إذ أحسب أن جذور المسألة إنما ترجع للوعد ذاته الذي وإن كان بريطانيا إعلانا فقد ظل أوروبيا اعترافا, ولم يكن مقبولا في مفاهيم السياسة الدولية أن تناقض الدول الأوروبية ذاتها في قضية باتت هي الباب الملكي المستدام للسيطرة علي المشرق العربي. فضلا عن إستحداث معاداة الصهيونية كبديل لتهمة معاداة السامية, في ضوء الانضواء العربي تاريخيا تحت مظلة السامية بإنتساب جماعي لسام بن وحنظريا!!. وهكذا تظل المماحكة الصهيونية وسيلة من وسائل تفعيل الوعد الذي إكتسب سرمدية مقيتة من خلال تجديد مفرداته وفقا لمقتضيات كل عصر وتوازناته الدولية. وما من شك أن هذه القضية تتفق تماما مع الإعلاء الدائم لحالة التعاطف المركبة التي ما تزال أحد أركان الدعاية من أجل البقاء للدولة العبرية إن جاز التعبير. ويتضح ذلك جليا في أن الإدعاء البريطاني ومن خلفه الأوروبي بإنهاء معاناة شعب باستحداث دولة له قد إتضح جليا في صيغة الوعد بما يعني إنتهاء المعاناة, ومع ذلك تم استثمار الإدعاء في ديمومة مستغربة حيث دعاوي المحرقة( الهولوكوست) والإضطهاد الهتلري للملايين الستة. وتسأل عن مصير رسالة كمبريدج ودحض فرية المحرقة, لتجد صاحب الرسالة العلمية وقد دفع مستقبله ثمنا للحقيقة التاريخية المطموسة. أما موقفنا نحن من مآسي المذابح والتصفية العنصرية, فيكفينا منها الشجب والإعتراض والبيانات شديدة اللهجة التي لم ولن تحرك ساكنا يوما. ( إشراقات السعدي143): فارق كبير علي النفس ألا تأخذ حقك.. من أن يستلب منك حقك.