في لفتة وطنية عظيمة القيمة والاثر صدق الرئيس السيسي علي منح البطل النوبي أحمد محمد أحمد إدريس وسام النجمة العسكرية, الذي يمنح لضباط القوات المسلحة لبطولاتهم في المعارك أو لخدماتهم البارزة وقت السلم, تقديرا لمجهوداته في حرب اكتوبر خلال الاحتفال بذكري هذه الحرب التي سطرت فيها القوات المسلحة المصرية الكثير من الملاحم والبطولات. في هذا الاحتفال جري عرض فيلم وثائقي قصير بعنوان الشفرة حكي فيه المساعد أحمد إدريس عن قصة استخدام اللغة النوبية كشفرة عسكرية في حرب اكتوبر, اذ ان اللغة النوبية كانت حتي ذلك الوقت لغة غير مكتوبة( تنطق ولا تكتب) وبالتالي لا توجد لها ابجدية, الامر الذي يجعلها عصية علي التعامل معها بالاساليب المعتادة في فك الشفرات. أحمد إدريس الذي ولد عام1940 في قرية توماس وعافيه النوبية التحق بخدمة القوات المسلحة في1954 وظل في الخدمة لمدة40 عاما حتي عام1994, وخاض بذلك كل الحروب في1956 و1967 والاستنزاف وحرب أكتوبر1973, ويحكي الرجل الذي دمعت عيناه لحظة تكريمه من رئيس الجمهورية, كيف أنه رغم تقاعده من سنوات طويلة ما زال عقله وقلبه مع القوات المسلحة, وشرح كيف كان هو صاحب الاقتراح باستخدام اللغة النوبية للتغلب علي مشكلة فك الشفرات حينما كان رقيبا( شاويش) منتدبا مع رئيس الأركان, وكيف تم استدعاؤه عبر إجراءات امنية, لمقابلة الرئيس السادات الذي استمع اليه ووافق علي فكرته, لكي يجد بعد ذلك344 من أبناء القوات المسلحة ذوي الاصول النوبية قد تم تخصيصهم للعمل في محطات الاشارة مع القادة الميدانيين. هذه القصة تذكرنا ايضا بقصة المقدم باقي زكي يوسف صاحب اقتراح تحطيم الساتر الترابي لخط بارليف باسخدام خراطيم المياه, وكيف كانت حالة الانصهار الجمعي في بوتقة واحدة من أجل المواجهة وتحقيق النصر, وكيف كان الجميع مساهما ومنخرطا في سيمفونية رائعة, بدءا من الأفراد العاديين وضباط الصف والضباط, وصولا إلي كبار القادة والقائد الأعلي, في مصفوفة واحدة من التفاني الكامل في تحقيق الهدف واسترداد الكرامة. لقد قام شباب أسوان برسم جدارية تعبيرا عن احتفائهم وفخرهم بابن محافظة أسوان وابن النوبة لدوره البطولي في الحرب.. وما نود الإشارة إليه هنا أن هذا التكريم قد ألقي الضوء علي الوجه المشرق والادوار المشهودة لابناء النوبة في دفاعهم عن وطنهم بمهجهم ودمائهم, وأزاح في الوقت نفسه الكثير من الركام واللغط, الذي يفتعله البعض حول بعض المطالب الخدمية والتنموية لأبناء النوبة, والسعي إلي تحويلها لأزمة أو مشكلة سياسية. إن الهوية المصرية والنسيج المصري قد تكون عبر التاريخ من تفاعل وانصهار ثقافات وأجناس عدة مرت علي مصر في أحقاب مختلفة لتصنع هذه السبيكة الوطنية الفريدة.. وبالتالي فهناك خصوصيات ثقافية واجتماعية للنوبة والصعيد والواحات وقبائل سيناء والصحراء الغربية, ولكنها جزء من هذا النسيج تتكامل معه وتثريه ولا تناقضه. ان قري النوبة ال35 التي اكتمل تهجيرها عقب البدء في إنشاء السد العالي في أوائل الستينيات من القرن الماضي, كان يبلغ تعدادها حوالي مائة الف نسمة كان52% منهم يعيشون في الوادي( خاصة القاهرة والاسكندرية).. وبالتالي يجب أن نضع مشكلة النوبة في حجمها وإطارها الصحيح وأن نسارع إلي استكمال حلها بالتنسيق مع أهلها ومع أصحاب المصلحة الأصليين.