أحيانا يكون الشعور بالخطر كالخطر نفسه. ومنذ سنوات طويلة تمثل أوضاع دول الخليج العربية الست التي يضمها مجلس التعاون الخليجي ترجمة صادقة لهذا الأمر. وقد كان الشعور بالخطر قويا في تلك الدول لأن ثلاث حروب كبري دارت حولها وبالقرب منها وباشتراك منها غير مباشر أو مباشر فيها, وهي الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات, وحرب تحرير الكويت, وحرب غزو العراق الأخيرة. وحتي في الحرب التي شاركت فيها دول مجلس التعاون الخليجي بشكل مباشر, وهي حرب تحرير الكويت, وقع العبء الحربي الأكبر علي الولاياتالمتحدة وحلفائها العالميين, وكان بينهم كما نعرف- عرب. وأحيانا لا يكون الشعور بالخطر أصيلا, أي أنه تثيره وتضخمه دول أو شركات صاحبة مصالح في وجود هذا الشعور وفي تضخمه. وفي مثل تلك الحالة يكون الهدف بيع الأسلحة والخبرات العسكرية, وأحيانا بيع المعلومات المخابراتية. ومنذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام1979 وما صاحبها من إعلان في طهران عن نية تصدير الثورة إلي دول الجوار هناك شعور في السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وسلطنة عمان والكويت والبحرين بالخطر الإيراني, لكن هذا الشعور اتخذ عدة أشكال في أوقات مختلفة حسب الظروف: 1 في مرات كثيرة, وفي أوقات مختلفة, أطلق ساسة خليجيون تصريحات ودية تجاه إيران وتبادلوا مع مسئوليها الزيارات. ومثل هذه الوجهة للشعور بالخطر الإيراني كانت تعبيرا عن الدبلوماسية أكثر من أن تكون تعبيرا عن الحقيقة, سواء كان الشعور بالخطر أصليا أو وراءه دافع من القوي صاحبة المصلحة في بيع العتاد والخبرة الحربية والمعلومات المخابراتية. وقد فضحت هذا الشكل من التعبير عن الشعور بالخطر برقيات ويكيليكس التي نسبت إلي رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها الشيخ حمد بن جبر آل ثاني القول إننا نضحك علي الإيرانيين ويضحكون علينا حين نتحدث عن تقارب أو توافق أو اتفاق بيننا. 2 في مناسبات مختلفة عبر قادة خليجيون علنا عن شعور فياض بالخطر, ومن ذلك قول الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي قبل شهور إن إيران تتدخل في الشئون الداخلية لدول الخليج العربية وتستهدفها. 3 كانت هناك إجراءات عملية في مواجهة الخطر الإيراني الذي تشعر به دول الخليج. وبلغت تلك الإجراءات ذروتها في دفع قوات سعودية وإماراتية إلي البحرين لإحباط حركة الاحتجاج الشيعية فيها, وهي الحركة التي قالت دول الخليج العربية إن إيران تشجعها لإسقاط النظام البحريني, وهذا خط أحمر- علي حد وصف السعودية. والحقيقة أن الشعور الخليجي بالخطر صار شعورين منذ اندلاع الثورة العربية الكبري بداية بتونس مرورا بمصر إلي البحرين واليمن وليبيا وسوريا. وإذا كان الشعور بالخطر من الثورة الإيرانية دفع مشتريات السلاح الخليجية إلي الأمام بشدة خلال عشرات السنين فإن الشعور بالخطر من الثورة العربية الكبري زاد من حدة الهاجس الأمني في تلك الدول, وجعلها تتجه ليس فحسب إلي شراء السلاح بل أيضا إلي شركات الأمن الخاصة الأجنبية بعد أن صار متصورا- علي سبيل المثال- أن يخرج العمال الأجانب في الإمارات في مظاهرات احتجاج كتلك التي خرجت في شوارع العواصم العربية. ولكل ذلك تشتري دول الخليج الأسلحة والخبرات العسكرية وجهود المتعاقدين الأمنيين بأموال طائلة... ولكن لا توجد حرب. وإذا نشبت حرب في هذه المنطقة التي هي مضخة نفط العالم رقم واحد سيقع العبء الحربي الأكبر علي الولاياتالمتحدة وحلفائها في العالم, ويمكن أن يكون بينهم عرب.