في نهاية الشهر الماضي افتتحت تركيا اكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج في العاصمة الصوماليةمقديشيو, حيث اقيمت القاعدة علي مساحة ضخمة تصل إلي400 هكتار وتضم3 مدارس عسكرية ومنشآت أخري, وتستوعب الف جندي في الدورة الواحدة. وقد بلغت تكلفة انشاء القاعدة50 مليون دولار. افتتاح هذه القاعدة يعد تتويجا لمسار طويل وخطط معدة سلفا تم اقرارها في2002 كجزء من التوجه التركي إلي القارة الافريقية من المدخل الاقتصادي الذي بدأ يتحول بالتدريج إلي ادوار سياسية ومن ثم إلي ادوار امنية واستراتيجية, تتحول تركيا بمقتضاها إلي احد أهم الفاعلين الاقليميين في القرن الافريقي وشرق افريقيا, اذ ان التحركات التركية لا تقتصر علي الصومال فقط بل تشمل ايضا اثيوبيا وجيبوتي وكينيا, وسبق لها أيضا ان حاولت احداث اختراق في العلاقات مع اريتريا ولكنها لم تجد الترحيب المناسب في أسمرة. في اطار التحرك التركي طويل المدي قام رجب طيب اردوغان عام2011 بزيارة الي الصومال, وكان بذلك اول رئيس وزراء يزور هذا البلد الغارق في الفوضي منذ عام1991, ثم قام بزيارة اخري في عام2015, الأمر الذي يوضح ان تركيا قد دخلت إلي التفاعل مع ملف الصومال الشائك بأعلي سقف من الاهتمام, بخلاف تحركات الدول الأخري ومنها مصر, التي تتحرك عادة في اطار واحد وهو الإطار الأمني الاستخباري الذي قد يكون مسنودا ببعض الجهود الإغاثية يمسك به موظفون صغار, أما تركيا فقد اختارت الدخول باعلي مستوي في هرم الدولة وعبر ملفي الاعمار والاغاثة عبر تعمير الميناء واعادة بناء البرلمان وانشاء10 الاف وحدة سكنية, وكذلك مستشفي ضخم مجهز باحدث الاجهزة يتردد عليه أكثر من عشرة آلاف مريض شهريا, بالاضافة الي منح أكثر من15 ألف طالب صومالي منحا تعليمية في تركيا انشاء عدد من المدارس التركية في الصومال.. وكان قد سبق كل ذلك الجهود الاغاثية الضخمة التي تم الايعاز بها إلي المنظمات التركية وحملات التبرعات لاغاثة الصومال من المجاعة في2011. وفي سياق تطوير الدور التركي أخذت أنقرة علي عاتقها المساهمة الفاعلة في تسوية الصراع الدائر في الصومال, فاستضافت مؤتمر إسطنبول, برعاية الأممالمتحدة في مايو2010, والذي تمخض عن صدور إعلان إسطنبول كخارطة طريق لتسوية الصراع الصومالي, وهو ما أفضي إلي صياغة دستور للبلاد, وانتخاب البرلمان ورئيس للصومال, كما استضافت إسطنبول المؤتمر الصومالي الثاني عام2012, لمناقشة قضايا المصالحة الوطنية وإعادة الإعمار في الصومال. وهكذا فإن انشاء القاعدة وافتتاحها للعمل يوضح كما اشار العديد من المراقبين, الاهداف التركية الرامية الي التموضع في منطقة جيواستراتيجية غاية في الخطورة والتأثير السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي, وفرض نفسها كقوة مؤثرة في التوزانات الاستراتيجية الحاكمة لامن البحر الاحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن, وخاصة بالنسبة لمصر والسعودية واليمن والسودان. ويضاف الي ذلك تحجيم اي محاولة لاستعادة النفوذ والتأثير المصري في القرن الافريقي ورفع كلفتها. وتهدف تركيا ايضا الي تسويق صناعاتها العسكرية في القارة الإفريقية وزيادة تبادلها الاقتصادي والتجاري وتوسيع نفوذها وأطماعها في هذه المنطقة علي حساب البلدان العربية. ان هذا يلفت انتباهنا الي اهمية وضرورة تخصيص الموارد اللازمة لسياسات الامن القومي المصري عبر خطط طويلة المدي, والا فإننا سنظل ندور حول انفسنا, وسنظل أسري للتحركات والخطب التي لن تنتج شيئا.