ربما علينا أن نتأمل مشهد بلادنا في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام. فهذا العام الذي يمثل المشاركة الثالثة للرئيس عبد الفتاح السيسي حمل مضمونا مختلفا عما سبقه من أعوام. حضر وتكلم باسم بلادنا ولسان حاله يردد لم نمت ولن نستسلم ولا زلنا قادرين علي الصمود والبناء ومواجهة شرور الإرهاب. ربما كان اللقاء المصري الإسرائيلي هو الأكثر جدلا بين مؤيد ومعارض ومتربص. ولكنه لقاء تقرأ خلفياته من تصريحات المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإسرائيلية وكذلك من خلال الأحداث المحيطة به. فالأحداث تقول إن حماس أعلنت منذ أيام بيانا قالت فيه إنه نتيجة لجهود مصر في ملف المصالحة الفلسطينية, فقد قررت حماس حل اللجنة الإدارية التي شكلتها لإدارة قطاع غزة, وقبولها بحكومة وفاق فلسطيني, و بدء جلسات الحوار لحل الأزمة. وهو ما رحبت به فتح رغم زيارة أبو مازن لتركيا منذ اسبوعين طالبا تدخلها في مصالحة مخالفة للصيغة المصرية التي حملت عودة القيادي السابق بفتح محمد دحلان للمشهد. إلا أن تركيا لم تستطع فعل شيء في الملف رغم علاقاتها القوية باسرائيل وحماس في الوقت ذاته. وهو ما يؤكد دوما مصيرية قضية فلسطين بالنسبة لمصر ودورها المحرك للأحداث فيها رغم الخيانة والاستفزاز. أما تصريحات الخارجية الاسرائيلية عن اللقاء فقد جاء فيها أن اللقاء تم في مقر اقامة الرئيس السيسي في نيويورك وانه لأول مرة يتم في العلن علي عكس ما مضي. وهو ما يعني أن مصر ليس لديها ما تخفيه أو تتحرج منه تجلس وتتفق وتعلن ما قامت به علي عكس كل الدول العربية التي تواري اجتماعاتها باسرائيل لتأمين سياساتها. ثم نتوقف في المشهد المصري عند كلمة مصر التي ألقاها نيابة عنا جميعا الرئيس المصري فقال إنه لو أراد العالم حل أزمة البشرية فعلينا بالمصارحة و الوقوف علي مفاهيم واحدة للكلمات والخروج باتفاقات تحمل الالتزام في تنفيذها وهو أمر لن يحدث للأسف لاختلاف المصالح وترك الصوت الأعلي للإرهاب والسلاح النووي والصراع المسلح ونظام اقتصادي يعاني الخلل لا لنقص الموارد ولكن لسوء استغلالها وتوزيعها, لتظل الفجوة بين العالمين المتقدم والنامي قائمة. ثم كان الحديث عن مصر التي من جانب تقع في بؤرة صراع عربي يأكل بعضه عبر حروب أهليه قميئة حتي صار واحد من كل ثلاثة لاجئين في العالم يحمل صفة عربي. ومن جانب اخر تدرك أبعاد محيطها الإفريقي وحجم الهوة الأمنية والاقتصادية والتنموية فيه في ظل نظام عالمي لا يكرس إلا للأقوي. وهو ما جعل مصر تعيش علي حافة أخطر بؤر الأزمات في العالم بينما قدرها أن تشق طريقها بثقة في ظل مخاطر غير مسبوقة, وهي تعتمد علي استراتيجية تنموية طموحة بإصلاحات اقتصادية جذرية وشجاعة, بهدف تمكين جيل من شباب كفء واع. تسير خطاها وهي تعلم تشابكات العالم وتعقيداته التي تعترض خططها في بعض الأحيان و لكنها تصر علي تحقيق هدفها بقيم أخلاقية واضحة. ثم يضع الرئيس السيسي في كلمته خريطة خروج من تلك الأزمات عبر التمسك بإصرار بمشروع الدولة الوطنية الحديثة, التي تقوم علي مبادئ المواطنة, والمساواة, وسيادة القانون, وحقوق الانسان, وتتجاوز بحسم محاولات الارتداد للولاءات المذهبية أو الطائفية أو العرقية أو القبلية. ويعلن أنه لا خلاص لسوريا إلا بحل سياسي يرضي كل السوريين, أساسه الحفاظ علي وحدة الدولة وصيانة مؤسساتها, وتوسيع قاعدتها الاجتماعية والسياسية لتشمل كل أطياف المجتمع السوري ومواجهة الإرهاب. ولا حل في ليبيا إلا بالتسوية السياسية, لمواجهة محاولات تفتيت الدولة وتحويلها لميليشيات متناحرة مسلحة ومسرح عمليات للتنظيمات الإرهابية وتجار السلاح والبشر, مشددا علي أن مصر لن تسمح بذلك. وهو ما ينطبق علي العراق واليمن. وأنه لا حل نهائي للإرهاب مادام استمر الكيل بمكيالين, مشددا علي حاجة العالم الاسلامي لتصويب فكره الخاطئ دينيا لتجفيف منابع التطرف والتجارة باسم الدين. نعم كان المشهد المصري قويا بينما المسرح يعج ببهلوانات السياسة وتجار الدين والاوطان. تضحك و هم يتحدثون بثقة عن الإنسانية و حقوق الإنسان! تندهش وهم يتباكون علي الضحايا بينما ايديهم ملوثة بدمائهم. لا تجد فرقا بين كلمات أمير قطر وهو يتكلم عن حقوق الإنسان بينما بلاده حاضنة للإرهاب و متجاهلة لحقوق العمالة من شرق آسيا. أو بين كلمة رئيس الوزراء الاسرائيلي وهو يتحدث عن معالجة اسرائيل للجرحي السوريين و استقبالها لهم وحاجتها للدعم في وقت باتت فيه واحة للتقدم في منطقة تعج بالفوضي!. أو بين حاكم تركيا الذي قال إن أوروبا لم تدفع سوي820 مليون يورو من أصل3 مليارات تم الاتفاق علي منحها لتركيا مقابل إيواء اللاجئين في مخيمات تحيطها الأسلاك. و هو ما يدفعك لتذكر بلادك التي تمنح الغريب أهل ووطن. وتبقي كلمة... هي مصر يا سادة ربما تشيخ وربما تضعف ولكنها لا تموت. تبهرك بقدرتها علي البقاء وإرغام العالم علي سماع صوتها.