لماذا حظت اجتماعات الدورة ال72 للجمعية العامة للأمم المتحدة بذلك الاهتمام الكبير من شعوب العالم أجمع؟ في اعتقادي أن الأوضاع المتوترة في العالم كله هي التي فرضت نفسها علي سكان هذا الكوكب ليتابعوا كلمات قادة دول العالم الذين اجتمعوا تحت مظلة الأممالمتحدة ليناقشوا الحلول المطروحة من جميع الأطراف من قارات الدنيا الست. 193 دولة هم أعضاء المنظمة العريقة التي أنشئت عام 1945 في أعقاب الحرب العالمية الثانية بهدف حفظ الأمن والسلام الدوليين. وبحسب ما تعلنه المنظمة فإن بإمكان الأممالمتحدة العمل علي قضايا تواجه الإنسانية في القرن ال21، مثل قضايا السلم والأمن وتغير المناخ والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان ونزع السلاح والإرهاب وحالات الطوارئ الصحية والإنسانية والمساواة بين الجنسين والحوكمة وإنتاج الغذاء وغيرها كثير. وتتيح الأممالمتحدة لأعضائها منتدي للتعبير عن وجهات نظرهم من خلال الجمعية العامة ومجلس الأمن والمجلس الاقتصادي والاجتماعي وغيرها من الأجهزة واللجان. ومن خلال تيسير الحوار بين أعضائها، واستضافة المفاوضات كذلك، أصبحت المنظمة آلية للحكومات لإيجاد مجالات الاتفاق وحل مشاكلها مع بعضها بعضا. هذا ما تعلنه المنظمة، ولكن إلي أي حد نري تطبيق تلك المقاصد النبيلة علي أرض الواقع؟! الإجابة التي تتجلي بوضوح أن الأممالمتحدة عاجزة حتي الآن عن تحقيق النذر اليسير من تلك الأهداف الكبيرة. وهذا ما ركز عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته القوية، المحددة في رؤيتها، والتي استغرقت 23 دقيقة بشأن الأزمات التي يواجهها العالم ككل نتيجة الخلل الحاصل في اقتصاديات العالم وطالب المنظمة الدولية بلعب دورها المطلوب في تقليل الفجوة الرهيبة بين اقتصاديات الدول المتقدمة والدول النامية. ذلك الوضع الشائن هو السبب الأول في حدوث الإرهاب والقلاقل التي تنتشر في أرجاء الأرض. ركز رئيسنا في كلمته المكثفة الحاسمة علي مبادئ خمسة أهمها: ضرورة تضافر الجهود للحفاظ علي الدولة السورية من خلال توافق سياسي بين كل السوريين من أجل وحدة الدولة السورية، كذلك صرح بوضوح أن مصر لن تسمح بدمار ليبيا أو تفكيكها، تكلم أيضا عن مصر وقال إنها تعمل علي تأسيس الدولة المدنية الحديثة التي تقوم بإصلاح اقتصادي شامل، وتحقيق التنمية وتسعي لتدعيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. خرج الرئيس عن النص ووجه كلمة قوية، ملهمة للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي بانتهاز الفرصة التاريخية المتاحة الآن من أجل التعايش في أمان بعد التصالح الذي تم مؤخرا بين فتح وحماس، ودعا المجتمع الدولي كله ليقف خلف هذا الهدف لحل واحدة من أقدم بؤر الصراع في العالم. وركز علي الولاياتالمتحدة التي تملك أكثر الأوراق تأثيرا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ركز أيضا علي الاتفاقيات التي حرصت مصر علي إبرامها مع السودان وأثيوبيا بشأن سد النهضة من أجل توزيع عادل يضمن حق الشعوب الثلاثة في مياه نهر النيل. أما النقطة التي أثارت إعجاب الكثيرين في كلمة الرئيس فكانت تجاهله الكامل لما تفعله قطر وتركيا في رعاية وتمويل الإرهاب الدولي. ذكر الرئيس القضية، وحث دول العالم من خلال ذلك الملتقي العالمي الأهم علي مواجهة الإرهاب، وتجفيف منابعه، وتتبع الدول والجهات التي تموله، ووضع الجميع أمام مسئوليتهم للحفاظ علي أمن شعوب العالم أجمع وليس مصر فحسب. لكنه بذكاء لافت، وكبرياء معهود لم يذكر الدولتين الرئيسيتين اللتين ترعيان الإرهاب وجماعاته المختلفة الخارجة من عباءة الجماعة الإرهابية الأم "الإخوان المسلمين" وهما قطر وتركيا. شهدت اجتماعات الجمعية العامة أيضا كلمة دونالد ترامب رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية التي ركز فيها علي ضرورة إعادة صياغة الأدوار المطلوبة من الأممالمتحدة، ولم يترك قصة تمويل الدول الأعضاء للمنظمة والتي تشارك الولاياتالمتحدة بنصيب الأسد فيها ب22% من ميزانية المنظمة. وطالب الجميع بتحمل الجزء المطلوب في التمويل، وزيادة صلاحيات الولاياتالمتحدة بما يتناسب مع حجم تمويلها. باختصار قال: أنا داخل بفلوسي يا سادة!