ما بين بداية الحرب التي يقررها أحد أطرافها ونهايتها التي غالبا تكون بخلاف إرادته, تنشأ المأساة الإنسانية أو كلفة القتال: الأمراض, الفقر, انهيار البني التحتية الأساسية, ضياع جيل كامل وصولا للمجاعة. وفي الحروب الحالية التي يشهدها الشرق الأوسط وإفريقيا, تفوق التكلفة أي تقديرات كان يتوقعها المراقبون والخبراء. في البداية, كانت شرارة الحرب أساسها مطالب سياسية حول الديمقراطية وتوسيع المشاركة كما في سوريا واليمن وليبيا وجنوب السودان, لكن في جميع الحالات تقريبا تتحول هذه التحركات إلي أزمة ينشأ عنها صراع بين مكونات المجتمع تتصارع علي الدولة, لتنتهي إلي حروب أهلية. تكلفة الحرب الأهلية مرتفعة, ربما بأكثر من الصراعات الدولية في بعض الحالات, فأول الخسائر, صعوبة عودة الوفاق الاجتماعي إلي سابق عهده, بالطبع تترك أجيالا متتالية تعيش أزمة ثقة بينها وبين باقي مكونات الأمة. هذه الحالات من انعدام الثقة المتبادل, يغذيها شعور بالظلم لدي كل الأطراف, يطلب الثأر باستمرار, لمن قتل أو تشرد أو فقد مصادر العيش من أبناء طائفته أو قبيلته أو عرقه أو مجموعته أيا كانت. بالطبع هذا من شأنه أن يعيق الإنتاج والتطور بسبب صعوبة تعبئة مكونات الشعب في خطط التنمية. لكن خلال فترة الحرب تتراكم المشكلات علي السكان العزل, هذا ما ظهر في اليمن وسوريا وشمال شرق نيجيرياوجنوب السودان والصومال. ففي اليمن, التي تتعرض لحرب أهلية منذ سنوات زادها تعقيدا قصف التحالف العربي بقيادة السعودية الذي انطلق في مارس2015, وخلف مئات القتلي وآلاف الجرحي وأكثر من مليون نازح عن منازلهم, إضافة إلي آلاف ممن فقدوا مصدر عيشهم. لكن المصيبة الأكبر, كانت تحذيرات الأممالمتحدة من تفشي وباء الكوليرا, وانتشار المجاعة علي نطاق واسع. وكانت المنظمة الدولية حذرت علي لسان أمينها العام الجديد أنطونيو جوتيريش من أن ملايين اليمنيين يحتاجون مساعدات إنسانية عاجلة, فيما توقعت منظمة الصحة العالمية وصول أعداد المصابين بالكوليرا إلي نصف مليون مع نهاية العام الجاري إذا استمر تفشي الوباء بالسرعة نفسها التي كان عليها في يوليو الماضي. وبنهاية يوليو وهي آخر تقديرات أممية موثقة وصلت أعداد الإصابات أكثر من362 ألف حالة, إضافة لوفاة1817 مريضا بالكوليرا, بحسب التقرير الرابع عن اليمن الصادر عن منظمة الصحة العالمية. ووفقا لتقديرات يونيسف منظمة الأممالمتحدة للطفولة فإن41% من الإصابات هي بين الأطفال دون15 عاما. ويحتاج اليمن لمواجهة الوباء نحو65 مليون دولار أمريكي, لم يعبء المجتمع الدولي سوي105 مليون فقط, رغم احتشاد عشرات الشركات التنمويين والإغاثيين, لمواجهة الأزمة في البلاد, التي تعاني21 محافظة من مجموع23 من تردي الأوضاع فيها. ويبدو أن تفشي الوباء في تراجع, حيث انخفضت النسبة المتوقعة لوفيات المصابين بالكوليرا إلي50%. ومع عدم زيادة أعداد الوفيات خلال موسم الأمطار خلال أغسطس وسبتمبر, فإن أخبارا جيدة علي صعيد مقاومة الوباء. وعلي الرغم من تراجع شبح المجاعة في اليمن, إلا أن سوء التغذية متفاقم, إضافة إلي حاجة ثلثي السكان( تعداد اليمن التقديري24 مليون نسمة) إلي مساعدات عاجلة. وفي جنوب السودان, الذي وقف خلال ربيع العام الجاري علي حافة المجاعة, أعلنت الأممالمتحدة أنه لم يعد كذلك مع مطلع أغسطس الماضي. لكنها لازالت تحذر أن السكان المعرضين لخطر نقص إمدادات الغذاء في تزايد, داخل الدولة الأحدث استقلالا في العالم(9 يوليو2011), ولم تهدأ منذ أن انقسم الحكم بين الرئيس سيلفا كير ميارديت ونائبه رياك مشار في.2014 قتل عشرات الآلاف خلال القتال بين الجيش النظامي وقوات مؤيدة لمشار, فيما اضطر الملايين إلي ترك قراهم ومنازلهم جراء القتال الشرس بين الدينكا( الموالين للرئيس) والنوير المعارضين لهم. ووفقا لتقرير صادر عن مؤسسة التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي فإن نحو1.7 مليون نسمة من سكان جنوب السودان(14 مليون نسمة) يواجهون مستويات طارئة من الجوع, وهو أقل من المجاعة بدرجة واحدة بحسب التصنيف. وأضاف التصنيف أن عدد من هم معرضون لخطر الجوع ارتفع من55 مليون إلي.6 TheIntegratedFoodSecurityPhaseClassification ويقول منسق الشئون الإنسانية التابع للأمم المتحدة ستيفن أوبراين خلال جلسة لمجلس الأمن في يوليو الماضي أدعو الجميع للحذر, فنحن لم ننج من المجاعة بعد, ففي جنوب السودان يتعرض المزيد من الناس لخطر الجوع أكثر مما كان عليه الحال في فبراير. في سوريا, يواجه المدنيون مصاعب مشابهة, فقد تجاوزت أعداد القتلي250 ألف إنسان, وفق تقديرات الأممالمتحدة, فيما يقدرها المركز السوري لبحوث السياسات القريب من دوائر معارضة بنحو470 ألف قتيل. كما تختلف التقديرات حول الجرحي ما بين مليون مصاب بحسب الأممالمتحدة, و109 مليون لدي المركز المعارض. وانخفض العمر المتوقع لدي الميلاد من705 عام في2010, إلي55.4 عام في.2015 وتعرض نحو10 ملايين إنسان لهجر أماكن إقامتهم,6 ملايين منهم نازحون داخل البلاد, والباقي لاجئون خارج الوطن,2.7 مليون في تركيا, وأكثر من مليون في لبنان, و637 ألفا في الأردن, و245 ألفا في العراق, و118 ألفا في مصر. وهو ما يعني فقدان سوريا أكثر من20% من سكانها, بحيث سيكون هناك أعداد أقل من السكان لإعادة إعمار البلاد. وتعرضت البنية الأساسية في البلاد لتدمير واسع, حيث إن نصف المستشفيات تقريبا إما مدمرة جزئيا أو بالكامل, فيما45% من الأطفال محرومون من الدراسة, وهو وما يعني أن جيلا كاملا معرض للضياع. وخسر قطاع الطاقة ما يعادل500 مليون دولار, منشآت نفطية ومحطات توليد كهربائي, فيما تضرر التعليم بأكثر من120 مليون دولار. وفي نيجيريا, يعيش شمال شرق البلاد كارثة حقيقية بسبب مواجهات الجيش مع جماعة بوكو حرام الإرهابية. فبحسب يونيسف يواجه نصف مليون طفل المجاعة, من بين14 مليون إنسان يحتاجون مساعدات إنسانية عاجلة, في واحد من أكبر بلدان إفريقيا المصدرة للنفط, لكنه يعيش واحدة من أكبر كوابيس الفساد في القارة في الوقت نفسه. وتسببت المواجهات مع إرهاب بوكو حرام في نزوح1.8 مليون من مقاطعات شمال شرق البلاد منذ تفجر الإرهاب قبل4 سنوات. وكما هي الحال في أغلب الكوارث الإنسانية حول العالم, لم تتلق المنظمات الإنسانية سوي41% من المبلغ الذي طالبت بجمعه(115 مليون دولار) لمواجهة الوضع شمال شرق البلاد. ولا يقف تأثير بوكو حرام عند نيجيريا فقد تضررت تشاد والكاميرون والنيجر منها بأعداد متزايدة من القتلي وأرقام أكبر من النازحين واللاجئين. ويواجه العالم أكبر كارثة إنسانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية, مع تعرض أكثر من20 مليون إنسان للمجاعة في جنوب السودان واليمن ونيجيريا والصومال. مهما كانت سرعة إنجاز السلام في تلك الدول جميعا, إلا أن هذا لا يحل المشكلة بصورة آلية, فإعادة بناء الثقة تحتاج لسنوات, ومواجهة المجاعات والنزوح واللجوء وتدمير البنية التحتية, يحتاج لسنوات أخري. وخلال تلك السنوات يمكن أن تنتكس أي من تلك الدولة لتسقط في هاوية الصراع مرة أخري أو حتي التفكك, وهي دوامة لا تنتهي.