يتجدد الحديث دائما حول العلاقة بين الغرب والإسلام, وهل هي حوار أو مواجهة؟, وتثبت الأحداث أنها حربا ضروسا من جانب الغرب ضد الإسلام, وليست مجرد اختلاف عقائدي يناقش في المحافل الثقافية. فعندما قرر الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن غزو أفغانستان بذريعة محاربة الإرهاب في أعقاب تفجير برجي التجارة العالميين في جزيرة مانهاتن بمدينة نيويورك, أخذته الحماسة وأنسته قواعد السياسة والدبلوماسية والحنكة وقال بالحرف مشيرا إلي حملته العسكرية المسعورة إنها حرب صليبية جديدة. الابن الذي وصفته أمه فور فوزه في الانتخابات الرئاسية علي منافسه آل جور بقولها: لقد اختاروا أغبي أبنائي, لم يكن تحت تأثير مخدر, ولا كان مخمورا, بل كان يعني ما يقوله حرفيا. وأمام ردود الفعل العالمية المستنكرة لهذه التصريحات بررت وسائل الإعلام الأمريكية الموقف باعتباره زلة لسان أو خطأ غير مقصود. وعلي مدي16 عاما, هي عمر الغزو الأمريكي لهذا البلد المسلم, لم تتوقف آلة القتل الأمريكية عن حصد آلاف المدنيين الأفغان المسلمين في قصف جوي باستخدام الطائرات من دون طيار, بحجة ملاحقة طالبان, ولم تتوقف طائرات نقل الجنود الأمريكية عن تعزيز الاحتلال بآلاف الجنود الأمريكيين في هذا البلد الذي قدر عليه أن يتحمل حقد الغرب كله علي الإسلام. لتثبت الأيام مجددا يوما بعد يوم أن الولاياتالمتحدة تقصد محاربة الإسلام, وربما لا تعنيها طالبان في شيء. آخر فصول هذا الحقد, ما اقترفته قوات الاحتلال الأمريكية عندما ألقت آلاف المنشورات علي القري الأفغانية الأربعاء الماضي تظهر كلبا كتب علي جسمه الشهادتين لا إله إلا الله محمد رسول الله, إمعانا في إهانة المسلمين الأفغان, والاستهانة بالدين الإسلامي! صورة المنشور انتشرت علي مواقع التواصل الاجتماعي وتظهر أسدا يلاحق كلبا أبيض, وهو لون علم طالبان, كتب علي جسم الكلب الشهادتين! وبعيدا عن اعتقاد المسلمين بأن الكلب حيوان نجس لا يجوز الربط بينه وبين الإسلام, أو تشبيه أشخاص مسلمين به حتي لو كانوا إرهابيين يهددون أمن الولاياتالمتحدة, مما زاد من غضب المسلمين الغيورين علي دينهم, فأمريكا لم يكن الأسد شعارا لها في يوم من الأيام, إذ المعروف أن الحزبين الكبيرين في أمريكا يرمز لأحدهما بالفيل وللآخر بالحمار, وهو ما لم يكن يوما مدعاة للسخرية من أي من الحزبين في أي بلد إسلامي. المنشور الذي وزعته قوات الاحتلال الأمريكية في مقاطعة بروان المركزية القريبة من كابول بغرض حث المواطنين الأفغان علي مساعدة قوات الاحتلال في ملاحقة طالبان التي وصفتها بالمتمردين يقول: استعيدوا حريتكم من هذه الكلاب. ساعدوا قوات الأمن في إزالة الأعداء. استعيدوا حريتكم واضمنوا سلامتكم. وكعادة الأمريكيين يتصورون أن الاعتذار عن إهانة الدين كفيل بإنهاء الإساءة, وادعاء وجود خطأ غير مقصود سينطلي علي عقول المتلقين, ولهذا أصدر قائد عمليات الولاياتالمتحدة وحلف الأطلسي الخاصة في أفغانستان الجنرال جايمس ليندر بيانا اعتذر فيه, وقال: نحن نحترم الإسلام جدا ونحترم شركاءنا المسلمين في العالم, رافضا إبراز صورة المنشور الذي اختفي تماما من علي كل المواقع الإخبارية. ولأن الأمر له جذوره في نفوس القادة الأمريكيين يرتبط بنظرتهم للإسلام, وله حوادثه المثيرة للاشمئزاز والغضب في نفوس المسلمين حول العالم وليس في أفغانستان وحدها, ولأنها ليست المرة الأولي التي يتعمد فيها الأمريكيون الإساءة للإسلام, حيث سبق وأحرقوا ومزقوا نسخا من القرآن الكريم, وداسوها بأحذيتهم, واستخدموها ورقا لدورات المياه, وليست المرة الأولي التي تخلق القوات الأمريكية مثل هذا النوع من الجدل في أفغانستان, فعلي الأمريكيين أن يتوقعوا مظاهرات غاضبة في أنحاء العالم الإسلامي, وردود فعل عنيفة, وربما تكون هذه التوقعات هي ما دفعهم للاعتذار المحدود. ما لا يدركه المسئولون الأمريكيون أو قد يدركون مغزاه ويحاولون اختبار ردود الفعل إزاءه أن إلقاء المنشور المسيء للإسلام من الطائرات الأمريكية, بغرض حث القرويين علي المساعدة في ملاحقة طالبان لن يزيدهم إلا إصرارا علي حمايتهم وتوفير ملاذات آمنة لهم وهو ما تعلمه جيدا إدارة العمليات العسكرية, وربما تكون عواقبه أشد خطرا علي جنود الاحتلال الأمريكيين أنفسهم أكثر مما لو ألقوا قنابل شديدة الانفجار, وهو الأمر الذي يبدو أنه لا يهم واشنطن كثيرا. ولعل افتعال أزمة علي هذه الصورة الرخيصة وهي أشبه باللعب بالنار, وراءه أهداف أخري تحاول الإدارة الأمريكية إخفاءها أو تأكيدها للرأي العام العالمي مثل التحضير لتجريب سلاح جديد ضد المدنيين الأفغان بحجة إيوائهم لعناصر طالبان رغم التحذير, أو لدعم النظام العنصري المجرم في بورما, وتأييد إبادته للمسلمين الروهينجا, وتمثيله بجثثهم, وحرقهم وتقطيع أوصالهم أحياء تحت سمعها وبصرها وبدعمها العقائدي, لإجهاض أي محاولة لإدانته, أو للتغطية علي سرقة جديدة لمناجم الزمرد الأفغانية التي كانت أول أهداف الغزو الأمريكي لهذا البلد المحتل في2011, لكن القبول بأنه خطأ غير مقصود هو الخطأ نفسه.