كشفت ثورة 25 يناير عن أن شبابنا ليس قادرا فقط علي المشاركة، وإنما يمتلك أيضا طاقات وإمكانات ليست لها حدود علي التغيير وإسقاط العديد من الأوهام فمن خلال صموده وإصراره وتمسكه بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية لم يسقط النظام فقط بل اسقط أيضا ثقافة الخوف والقهر والاستبداد التي كانت ضد اي تفاعل إيجابي بل وضد ممارسة اي نشاط إنساني حر. ولعل السؤال الذي أصبح أكثر إلحاحا ويعبر عن الدهشة والحيرة هو كيف تسني لشباب ثورة 25 يناير الذي اتسم بالتعددية والاختلاف، أن يحقق تلك المعجزة وأن يجعل فئات واسعة صامتة سلبية تنضم إليه، وهم أبناء مؤسسة تعليمية تم وصفها بأنها ضعيفة ومضللة ومحبطة. الإجابة علي هذا السؤال تتطلب دراسات علمية موضوعية من علماء النفس والاجتماع والسياسة، لكن ربما العودة للوراء قليلا وقراءة ماكانت تنشره الصحف قراءة تحليلية حول سيادة مظاهر العنف الفوضي داخل المؤسسة التعليمية ومقاطعة اعداد غفيرة من الطلاب وعدم حماسهم لها رغم الوعود والتهديد من قبل المسئولين يكشف عن مدي رفض هذا الجيل لتلك المؤسسة. كان هذا الرفض احد مؤشرات عدم الثقة وعدم القدرة علي التواصل مع أفكارها وممارساتها وثقافتها وآلياتها، حتي ان الفجوة أصبحت واسعة بين مؤسسة تقليدية تركز علي ثقافة الصمت والقهر والاستبداد وتشجيع المقولات الجاهزة والحقيقة المطلقة وبين جيل له متطلبات جديدة ينتمي لعصر جديد وهو عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والديمقراطية وحقوق الانسان. ومن ثم اتجه طلابنا خارج المؤسسة التعليمية التي لم تعد تتواءم مع المتطلبات والثقافة الجديدة إلي مواقع التواصل الاجتماعي والانساني عبر الانترنت والتقنيات الحديثة للتواصل والاتصال والتعليم والتعلم، وأصبح ذلك بديلا لضعف وجمود المؤسسة التعليمية التي تنتمي في ثقافتها الي القرون الوسطي، ومن ثم حدثت الأزمة والانقطاع بين ثقافتين متناقضتين تمثلان نسقين مختلفين في القيم، وأصبح حال المتعلم الحاضر الغائب المنتمي اسما وغير المنتمي وجدانيا، وسار الطلاب يبحثون عن آليات جديدة للتواصل والحوار ويعزفون عن المشاركة وعن الانتماء للمؤسسة التعليمية، ومن ثم فإن هذا العزوف وعدم الانتماء يمكن تفسيره بأنه نوع من التمرد علي ثقافة القهر والاستبداد والسخط علي السلطة الأبوية التي كانت مصدرا للخوف والانسحاق. والغريب ان يمتد العصيان والتمرد ويتسع ليصبح ثورة تكسر حاجز الخوف وتهزم الأوهام التي تغلغلت وهيمنت علي عقول البعض من كثرة ترديدها حتي سارت جزءا من الثقافة السائدة وهي ان الشعب المصري يتسم بالسلبية والتعصب، وان الشباب غير منتم وعدواني وسطحي وغير قادر علي العمل الجماعي، وأن الفتنة الطائفية قد صارت تهدد الوحدة الوطنية في مصر. إلا أن شباب الثورة ومعه كل طوائف الشعب المتنوعة من مسلمين ومسيحيين شباب وشيوخ، فقراء وأغنياء، رجال ونساء، أثبتوا من خلال صمودهم وأدائهم الراقي انهم يمتلكون الوعي وان ارادة الشعب التي كانت كامنة هي الحاكمة وهي القادرة علي التغيير وان الشعب المصري يمتلك رصيدا معتبرا من التسامح واحترام الاخر والإيمان بالتعددية والتنوع، ومن ثم فإن الصراع بين ثقافة القهر والاستبداد، وبين ثقافة الحوار والنقد والديمقراطية، قد تكون علي مشارف الحسم لصالح ثقافة جديدة تؤمن بالحرية والتعددية والعدالة الاجتماعية. وذلك يتطلب سرعة التغيير فإذا لم تصب أهداف الثورة ومكتسباتها في تغيير فلسفة وشكل وأداء وثقافة المؤسسة التعليمية فستظل الأزمة قائمة، واللحظة الآن مواتية لأن تكون مؤسسة التعليم لها دور فعال ومستنير، فقد تشكلت ملامح جديدة لثقافة مناهضة للاستبداد والقهر مما يجعل من الضروري صياغة ملامح جديدة ايضا لتعليم يستند علي عمليات التفكير العلمي واحترام الرأي الآخر ويعزز الديمقراطية والتسامح وحقوق الإنسان.