القاصي والداني, وعوام الرجال, وأعداء الإسلام, لا يخفي عليهم أن القتال الذي يسحق بلاد المسلمين من أجل الدنيا لا الدين, فأبسط الرجال عقلا وأقلهم علما يوقن أن القتل محرم شرعا وأنه من الكبائر , وذلك بالنسبة لقتل المسلم وغير المسلم, وكل من يرفع راية الدين ويرتدي عباءته ثم يقتل المسلمين وغير المسلمين فهو مخادع أو مخدوع. ورغم وضوح هذه الحقيقة كالشمس في كبد السماء, إلا أنه يخرج علينا من يهاجم الأزهر الشريف وما يقوم بتدريسه من علوم شرعية, وكأن الأزهر مسئول عن التطرف في العالم, حتي ولو كان التطرف من غير المسلمين وفي بلاد لم يدخلها الإسلام. وعلي العكس مما يقوله مهاجمو الأزهر الشريف فإن علومه الشرعية, والمنهج العلمي الذي يقوم بتدريسه يحارب التطرف ويقضي عليه, ويحمي طالب الأزهر من ولوج باب التطرف, أو الانسياق للداعين له. يقوم التعليم في الأزهر الشريف علي المنهج العلمي, فبالإضافة إلي تعلم الطلاب المنهج العلمي لدراسة الطبيعة بغرض الاستفادة منها, واستغلالها لصالح البشرية جميعها, فإنهم يتعلمون المنهج العلمي لفهم النصوص, وإبداء الرأي وإصدار الأحكام, ومن بديهيات المنهج العلمي أن لا رأي أو حكم بدون دليل, والقول بغير دليل محض هوي ورأي فاسد, يضل, ويهوي بصاحبه إلي الهلاك, واتفق علماء المسلمين علي حرمته, وأول أدلة الأحكام والمهيمن عليها القرآن الكريم, وبعد القرآن تأتي السنة النبوية المطهرة, ثم الإجمال, والقياس, وتأتي أدلة الأحكام تباعا منها الاستحسان, والاستصحاب والمصالح المرسلة, إلي آخر الادلة التي يتعلمها طالب الأزهر الشريف, ويتعلم الطالب الأزهري أن لكل دليلا شروطه التي يجب توافرها عند العمل به, وإلا يكون الاستدلال فاسدا, ومن مبادئ المنهج العلمي, أيضا, لا يجوز الاستناد إلي دليل منقطع عن باقي الأدلة وبمعزل عنها, فلا يجوز الاستدلال بالقران منقطعا عن السنة. وعلي الباحث النظر في الأدلة كلها غير مختصر علي آية أو حديث, ومن مبادئ المنهج العلمي أن الاختلاف بين العلماء وارد ولا يجوز أن تحل المسلمين علي رأي مجتهد معين, وأنه لا يعاب رأي مجتهد سواء خطأ أو صوابا, إلا بمدي اتباعه للمنهج العلمي من عدمه, لان الاجتهاد حمل بشري والخطأ واراد, ولكن لا يجوز إغفال المنهج العلمي لأن ذلك من بديهيات البحث والاجتهاد. وإذا نظرنا إلي مناهج التربية والتعليم نجدها لا تحمي الطالب من التطرف والانسياق وراء المتطرفين, بل يسهل خداعه والتغرير به, في السنة الأولي من المرحلة الثانوية يدرس الطالب التفكير أقسام ثلاثة القسم الأول التفكير الخرافي وهو يعتمد علي الخرافات والاساطير في إبداء الرأي وإصدار الأحكام, والثاني التفكير الديني وهو الاستدلال علي وجود الله سبحانه وتعالي والثالث المنهج العلمي لدراسة الطبيعة واستغلالها, والقسمان الأول والثاني يأتيان في كتاب الوزارة في بضعة سطور وباقي المنهج للتفكير العلمي لدراسة الطبيعة, ويخرج الطالب من هذه الدراسة وليس في عقله سوي المنهج العلمي لدراسة الطبيعة فقط, وأن التفكير الديني مجرد الاستدلال علي وجود الله سبحانه وتعالي. هكذا نجد مناهج الأزهر الشريف تحمي الطالب من التطرف أو الانخداع ولا يذهب وراء كل ناعق أما طالب التربية والتعليم فلا يسأل علي الدليل, ولا يعمل فكره فيما يسمع, ويؤخر عقله ويقدم كلام كل خادع أو مخدوع. والمنهج العلمي لفهم النصوص وأصول التفكير وإبداء الرأي علم محايد بمعني لا يتأثر بدين أو مذهب أو بلد, مثله كمثل المنهج العلمي لدراسة الطبيعة واستغلالها فيمكن تدريس مبادئ التفكير العلمي لفهم النصوص وإبداء الرأي واصدار الأحكام. يجب أن نعلم أولادنا الاستقلال في التفكير وطلب الدليل علي الرأي, فلو تعلم أولادنا ما يتعلمه طالب الأزهر عصمناهم من التطرف والانسياق وراء كل جاهل.