لم يعد للمواطن المصري سوي الله يبثه شكواه لأن الشكوي لغير الله مذلة, وها أنا أشكو المسئولين في مصر لله, بعد أن أثبتت الحكومة الذكية والجهات الرقابية عجزها عن القيام بدورها في التيسير علي المواطن وحمايته من عمليات السلب والنصب والاحتيال والتعذيب والقهر التي تمارسها كل الشركات والقطاعات الحكومية والخاصة علي المواطن, والتي يقع بعضها بحجة الروتين الفاشل, وبعضها بحجة الضرائب الجديدة وبعضها بحجة نظام الشركات الفاشل خاصة نظام موظفي خدمة العملاء الذين لا يملكون معلومة يقدمونها ولا صلاحية لحل أي مشكلة قد تواجه المواطن العميل. اسمح لي عزيزي القارئ أن أخرج من صفوف أصحاب الرأي لأقف في صف المواطن العادي, ومن هذا المنطلق اسمح لي أن اتقدم نيابة عنك بشكوي لله بعد أن فشلت كل محاولات الشكوي للمسئولين, ولي هنا تجربتان مأساويتان مع الروتين العقيم الذي يستهلك الكثير من الوقت والجهد والمال والصحة أيضا ويستنزف رصيد حسناتنا ليبدلها سيئات من كثرة التأفف والاعتراض وربما يتطور الأمر إلي كل صيغ الحسبنة والدعاء علي المسئولين والنظام الذي لم يلتفت أحد منهم لتغييره في مقابل الأموال التي تحصلها الشركات والمؤسسات نظير هذه الخدمات, والتجربة الأولي خاصة بعملية نقل أوراق التلاميذ من مدرسة إلي أخري, ففي ظل ظروف الحياة الصعبة وسوء الإشراف علي العملية التعليمية في المدراس ومع ارتفاع أسعار الوقود والمواصلات, يضطر عدد كبير من المواطنين لنقل محل السكن وبالتالي نقل أبنائهم من مدرسة لأخري وربما من محافظة إلي أخري, مما يعني رحلة كعب داير: علي كل إدارات ومديريات التعليم في المحافظات المعنية, وتبدأ الرحلة بحوالة بريدية لا تزيد قيمتها عن30 جنيها, لتبدأ بعدها رحلة مكوكية تكلف المواطن مئات الجنيهات بالإضافة لمزيد من الوقت والجهد لجمع الأختام من المديريات والإدارات المعنية, ولا أدري حتي الآن الهدف من هذا النظام العقيم, ولماذا لا يتم التيسير علي المواطن باستخدام أساليب التكنولوجيا والانترنت ولماذا لا يتم تخصيص شباك واحد بكل إدارة يتقدم فيه المواطن بطلبه لتقوم الوزارة بموظفيها الكثيرين بإنهاء هذا الإجراءات داخليا بين إداراتها, ويحصل في النهاية المواطن علي الأوراق المطلوبة, نظير رفع مصاريف النقل ليدفعها المواطن دفعة واحدة لتستفيد منها الوزارة وتوجهها لرفع مستوي الخدمة التعليمية, بدلا من أن يستفيد منها سائقو التوكتوك والميكروباص والتاكسي؟ أما التجربة الثانية فتخص المصرية للاتصالات والشركة التابعة لها لتقديم خدمات الإنترنت, والتي تتفنن في زيادة معاناة العميل بحثا عن حقه, والمشكلة تتلخص في قيام شركة تي إي داتا التابعة للمصرية للاتصالات بحجز بعض الأرقام الأرضية لتمنع أصحابها من الاشتراك مع شركات أخري إلا بعد الرجوع للشركة بطلب لرفع الحظر أو يضطر لتغيير الرقم الخاص به ليحصل علي الخدمة رغم حداثة التعاقد وتخصيص الرقم, مما يعني رحلة مكوكية أخري بين سنترالات المصرية للاتصالات وفروع تي إي داتا, ولا أجد أي منطق في هذا الإجراء سوي الفشل الذريع في المنظومة الحالية التي تعتبر العميل أسيرا لها ولا تراعي قوانين حماية المستهلك أو قوانين حماية المنافسة ومنع الاحتكار, والويل لمن يلجأ لجهاز تنظيم الاتصالات لتقديم شكوي, حيث يطلب إجراءات تعجيزية ليثبت الشاكي أنه مواطن يحق له تقديم الشكوي بشكل يوحي بتواطؤ الجهاز مع هذه الشركات. لقد فاض الكيل بالمواطن الذي تتحول حياته إلي جحيم بمجرد تفكيره في الحصول علي خدمة أساسية يستحقها ويدفع مقابلها. ولا يجد في الدولة وأجهزتها الرقابية جهة تنصفه, فلا حياة لمن تنادي.. ولله المشتكي.