في الوقت الذي تسعي فيه وكالة ناسا لتحويل كوكب المريخ إلي كوكب سكني, وإقامة حضارة جديدة موازية لحضارة الأرض, نذوق نحن الأمرين, ونشهد رحلة عذاب تنتهي بشق الأنفس, في سبيل الحصول علي مقعد في مدرسة لأبنائنا, ورغم تصريحات وتأكيدات وزير التربية والتعليم بأن نسبة الزيادة في المصروفات المدرسية في المدارس الخاصة والدولية لن تزيد علي14%, إلا أن المدارس قامت برفع المصروفات بشكل مبالغ فيه, وصل في بعض الأحيان إلي أكثر من40%, وكأن تصريحات الوزير سيتم تطبيقها في كوكب المريخ. وكل عام تخترع مافيا المدارس الخاصة حيلا وأساليب جديدة مبتكرة ما أنزل الله به من سلطان لتنظيف جيوب أولياء الأمور, ومنها ما يسمي بالأبلكيشن, حيث يقوم كل ولي أمر بملء استمارة في المدرسة التي يريد إلحاق نجله بها, ويدفع مقابل هذا مبلغا يتراوح ما بين500 و2000 جنيه, حسب طبيعة كل مدرسة ومستواها وموقعها, ناهيك عن رفع اشتراك الأتوبيس, ورسوم الأنشطة والرحلات وشراء الملابس الرياضية وأدوات النظافة الشخصية وتحفيظ القرآن واللغات ومعامل الحاسب الآلي وغيرها من الحيل الشيطانية, لجمع الأموال بعيدا عن أعين الوزارة التي تغض الطرف عن ذلك, ما دام المسئول عن المتابعة في الإدارة أو في التعليم الخاص يتناول الشاي بالياسمين مع صاحب المدرسة. أما إذا كنت تريد عزيزي ولي الأمر إلحاق نجلك بإحدي المدارس التجريبية بالقاهرة أو الجيزة, أو غيرها من عواصمالمحافظات, أو نقله من مدرسة إلي أخري, أو من محافظة إلي غيرها, فأنت تحتاج إلي معجزة إلهية وإجازة مفتوحة من العمل لرحلة الكعب الداير, ما بين المدرسة والإدارة التعليمية والمديرية, لتحصل علي عدد لا حصر له من التأشيرات والأختام والتوقيعات, التي لا تسمن ولا تغني من جوع. والمشكلة تكمن في أن وكيل الوزارة, يكون علي دراية وعلم بأن المدرسة ليس بها مقعد واحد شاغر, وكثافتها وصلت إلي130 تلميذا في الفصل الواحد, ويقوم بمنح تأشيرات صريحة للبعض, ليريح نفسه ويلقي بالمسئولية علي عاتق الإدارة التعليمية ومدير المدرسة المغلوب علي أمره, علاوة علي وجود مديري إدارات تعليمية لا يعرفون مهام وظيفتهم, ويتسببون في زيادة تعذيب المواطنين. ورحلة العذاب السنوية لأولياء الأمور لا تقف عند المدارس, ولكنها ممتدة إلي التعليم الجامعي, حيث يقع البعض منهم فريسة سهلة أمام طوفان المعاهد والأكاديميات الوهمية غير المرخصة, والتي يحمل بعضها أسماء دولية لامعة ورنانة, وتمنح شهادات مزورة غير معتمدة من وزارة التعليم العالي, وللأسف الشديد تعمل هذه المعاهد والأكاديميات تحت سمع وبصر الوزارات والمحليات بالمحافظات المختلفة. ولكي نرحم أولياء الأمور من هذا العذاب, لا بد أن تكون هناك قواعد شفافة وموضوعية للقبول بالمدارس التجريبية المختلفة, وأن تلزم الوزارة المدارس الخاصة والدولية بالإعلان عن مصروفاتها الدراسية بداخل المدارس وعلي مواقعها علي فيس بوك, وأن تقوم وزارة التعليم العالي بالتنسيق مع وزارة الداخلية والمحافظات المختلفة, بعمل حصر شامل للمعاهد والأكاديميات الوهمية غير المرخصة وغلقها فورا, ونشر القائمة علي موقع وزارة التعليم العالي وتحذير الطلبة وأولياء الأمور من التعامل معها. وتبقي كلمة أقولها للدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم إلا وهي, سيكون هناك تعليم في مصر إذا تحولت المدارس إلي أسلوب حياة, يتعلم فيها الطالب الالتزام والأخلاق والتعايش وقبول الآخر وثقافة الاختلاف, ولن يتحقق ذلك إلا بوجود المدرس القدوة المسلح بالأخلاق والعلم, القادر علي تحمل المسئولية, لأن التعليم الحالي خلق جيلا جديدا غريبا علينا فاقدا كل شيء, وغير قادر علي التمييز بين الحق والباطل.