تأتي قيم الأبوة والأمومة والبنوة لتؤكد أن ما نراه من عقوق بين الحين والآخر قد تصدت له المجتمعات السوية منذ بواكير التاريخ الإنساني, بل وتذكرنا بأن دعوة الأخوين أمين للاحتفال بعيد الأم كانت نتاج شكوي أم من الجحود, ويا له من ذنب . و لو عدنا لنصائح الأجداد الفراعين علي أرض المحروسة لتمثلنا دررا, فالنصيحة الموجهة في حق الأم تؤكد التوجه النبوي الكريم أمك ثم أمك ثم أمك... تقول النصيحة: ضاعف ما تقدم من طعام لأمك, فقد كنت عبئا ثقيلا عليها( يقصد الحمل).. وعندما ولدت بقيت مرتبطا بها لترضعك لثلاث سنوات... ولم يأنف قلبها منك وأنت تكبر. وعندما التحقت بالمدرسة ظلت ساهرة بجوارك لتقدم لك ما تحتاج من طعام وشراب. ويضيف في موضع آخر: لا تفتح قلبك لزوجتك أو جاريتك وافتحه لأمك فهي السيدة الوفية. و يأتي الحديث عن البنوة رائعا رصينا: إن الابن من بذرة روحك فانشد له الخير وقربه لقلبك...ما دام مطيعا حريصا علي أملاكك. لكن البذرة يمكن أن تنتج عدوا ما ضل الطريق عن نصائحك, وصار عاقا سيئ المعشر والحديث.. فالأولي به الاجتناب والتوبيخ.. فقد كتب عليه الإله الشقاء من قبل مولده...و لقد تفوق الحكيم علي نفسه عندما أكد قبل التنزيل بزمن بعيد أن من أبنائنا أيضا من يمكن أن يكون عدوا لنا,!! وهو ما يجعلنا نتأسي علي ذميمة العقوق في غمرة التضليل باسم الذاتية والحرية الشخصية. فهذه الطاعة ظلت تتردد كقيمة في معظم أقوال الحكماء لكونها سرا من أسرار التقدم في الحياة والارتقاء بصاحبها, لذا لم يكن مستغربا أن يؤكد عليها في نصائحه الحكيم المصري القديم بالقول: علم ابنك الطاعة, حتي يتفوق وسط العظماء وينظر إليه كرجل منضبط صاحب مسيرة مرموقة.. أما غير المطيع فالفشل حتما من نصيبه. ومن عجب أن القانون في بر المحروسة أنه لا يتضمن أي عقوبة للعقوق, وإن كان هناك اقتراح بقانون لهذا الشأن ربما يجعل بعد إقراره وتحديد آلياته العقوبة لثلاث سنوات وغرامة تتراوح بين خمسمائة إلي عشرة آلاف جنيه. وتدخل فيها قضايا الحجر الكيدية التي يرفعها الأبناء بعدما زادت من أسف خلال الفترة من2013-2015 من2000 قضية إلي ما يربو علي3200 قضية.!! وإذا كان المجتمع القديم قد جعل قضية العقوق مرتبطة بمرضاة الإله; من يطع فهو محبوب من الإله, في حين أن من يبغضه الإله هو شخص غير مطيع, فإن الأمر ظل لدينا في إطار الأعراف القيم والتقاليد التي باتت تتآكل لأسباب ليس من مجال لذكرها. ولكم أشارت بعض الأعمال الدرامية لمفردات هذه المأساة مثل بابا عبده وبالوالدين إحسانا وغيرها مما يعكس ضمير المجتمع ويعطي مؤشرا راصدا لمتغيراته لا سيما فيما يتعلق بالوالدين.و أحسب أن ما تعج به وسائل الإعلام من أمثلة علي المستويين المادي والمعنوي لأحق بالاهتمام مع التركيز علي نماذج البر بالوالدين في المقابل علي كافة أصعدة الخطاب. أملا في أمة سوية تجعل بر الوالدين منطلقا لبر الوطن. وما عداه خطر لو تعلمون عظيم. ( إشراقات السعدي128): من يقبل أن تلقي له عظمة... لا ينتظر نصيبا في الوليمة.