ليس الإعلام البريطاني وحده الذي تخصص في تغذية مشاعر الكراهية ضد كل ما هو إسلامي في المملكة المتحدة أو ما يعرف بالإسلاموفوبيا المسئول عن غض الطرف عن الإرهاب اليميني الأبيض الموجه ضد المسلمين, بل الشرطة البريطانية أيضا تتحمل جانبا كبيرا من هذه المسئولية. وإعلان بريطانيا تشديد إجراءات الحراسة حول المساجد البريطانية في أعقاب حادث الدهس المدبر الذي استهدف مصلين بعد خروجهم من مسجد فينسبيري بارك بشمال لندن الليلة قبل الماضية مخلفا قتيلا وعشرة مصابين ليس كافيا أيضا لحماية المسلمين.فمشاعر الكراهية السائدة والمتزايدة لدي اليمين الأوروبي العنصري علي وجه العموم والبريطاني علي وجه الخصوص ضد كل المسلمين واللاجئين هي من يحكم العلاقة بين المجتمع الأوروبي والأقلية المسلمة, وهي من سيحدد طبيعة هذه العلاقة خلال السنوات المقبلة. تصريحات رئيسة الشرطة البريطانية( سكوتلاند يارد) كريسيدا ديك التي أعلنتها أمس بشأن تأمين المسلمين خلال ذهابهم للصلاة ربما تكون مسكنا مؤقتا للأزمة, ولكنها لا تمثل حلا للمشكلة لأنه جذورها أعمق كثيرا من أن تحل حلا أمنيا شرطيا فقط. فالهجوم علي المصلين عقب الصلاة تم بشاحنة مستأجرة وكان فيها ثلاثة مهاجمين, وليس مخمورا أو مختلا نفسيا كما يمكن أن يعلن في مثل هذه الأحداث الدامية لرفع الحرج وإغلاق الملف بشكل دبلوماسي كما جرت العادة. ولئن كان حادث الدهس الذي يحمل الكثير من مشاعر الاحتقان والكراهية والرغبة في التخلص من الوجود الإسلامي كله في المجتمع البريطاني بالترهيب والتخويف والقتل من جانب اليمين المتطرف وهم فئة كبيرة داخل المجتمع البريطاني, فحادث حرق برج جرينفيل ذي ال24 طابقا والذي تسكنه أغلبية مسلمة قبلها بأسبوع واحد, مع تباطؤ جهود الإنقاذ تشير إلي مشاعر الرضا من جانب قطاع أكبر داخل المجتمع البريطاني, يوافق علي أي آلية تزيح المسلمين من هذا البلد. ربما يكون عمدة لندن صديق خان وهو مسلم يستشعر الخطر علي نفسه وعلي أسرته لكونه مسلما, لعلمه بحقيقة أفكار اليمين المتطرف تجاه المسلمين, وربما يعرف أن تلك الحوادث ليست عابرة, ولا يمكن اعتبارها سلوكا فرديا من شخص مأفون يمكن أن تنتهي بالقبض علي الجاني أو الجناة, فهؤلاء المهاجمون ليسوا إلا مجرد قمة جبل الثلج التي تخفي تحتها الكثير من الأعمال التي قد تتطور إلي حرب إبادة جماعية مثلما حدث في البوسنة والهرسك منذ سنوات, ولكنه بحكم منصبه لا يملك إلا أن يطمئن المسلمين بتصريحات بلاستيكية من نوع أنه سيتم استدعاء رجال الشرطة من الإجازة لزيادة الأعداد في المناطق التي يوجد بها تعداد سكاني كبير للمسلمين, هؤلاء الشرطيون الذين وقفوا كتماثيل شمع لتأمين مكان الحادث الأليم بكردون من الرجال والنساء من دون أن يحركوا ساكنا, وكأنهم جاءوا للمشاركة في إطفاء شموع في حفل عيد ميلاد. ولعل تصريحات رئيسة الوزراء تيريزا ماي التي قالتها خلال زيارتها المسجد الذي شهد حادث الدهس والتي جاء فيها الهجوم الإرهابي المريع الذي وقع الليلة الماضية هو شر يخرج من باطن الكراهية ولقد دمر مجتمعا, تحمل جانبا من الحقيقة, فهي كبريطانية تعلم تمام العلم حقيقة التطرف اليميني البريطاني وما يمكن أن يرتكبه من جرائم بحق المسلمين واللاجئين, وانعكاسات هذه الأعمال علي السلام الاجتماعي للبريطانيين بشكل عام. هذه المرة لم يتمكن الإعلام البريطاني من إلصاق التهمة بالمسلمين, ولا بداعش, ولا بأي من التنظيمات الإرهابية التي تحتضنها بريطانيا منذ عقود, لأن الضحايا في حادثين متتاليين كلهم من المسلمين, والجاني في هذه المرة رجل أبيض حليق الذقن, وإن لم يبادر هذا الإعلام بالحديث عن الإرهاب الأبيض الذي لا يعرف إلا لغة العنف والقتل والإبادة..ربما تكون هذه مجرد بداية لسلسة من العنف المتواصل ضد المسلمين ما لم تبادر السلطات البريطانية لتغيير لغة الخطاب السياسي والإعلامي التي تحمل المسلمين مسئولية كل شر يقع فوق أراضيها.