اعلم أيها المسلم أن الصوم الحقيقي ليس مجرد الإمتناع عن الطعام والشراب والشهوة فحسب بل الصائم الحق هو الذي صامت جوارحه عن الآثام وصامت عيناه عن النظر إلي ما حرم الله وصامت أذناه عن سماع المحرمات وصام لسانه عن الكذب والفحش وقول الزور والغيبة والنميمة وصامت يداه عن البطش المحرم, وصامت رجلاه عن المشي إلي الحرام. ولهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم: الصيام جنة, فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب وفي رواية: ولا يجهل فإن امرؤ سابه أو قاتله فليقل: إني صائم, مرتين متفق عليه, وقد فهم الصحابة وسلفنا الصالح رضي الله عنهم تلك المقاصد العظيمة فطبقوها فهذا: جابر بن عبد الله يقول إذا صمت فليصم سمعك, وبصرك, ولسانك عن الكذب والمأثم, ودع أذي الخادم وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك, ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء. وقال عمر بن الخطاب: ليس الصيام من الشراب والطعام وحده, ولكنه من الكذب والباطل واللغو. وكان أبو هريرة وأصحابه إذا صاموا جلسوا في المسجد, وقالوا: نطهر صيامنا وعن ميمون بن مهران: إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب وقد ذكر الإمام ابن حجر العسقلاني أن العلماء: اتفقوا أن المراد بالصيام صيام من سلم صيامه من المعاصي قولا وفعلا ومن أجل ذلك ذهب بعض السلف إلي أن المعاصي تفطر الصائم; فمن ارتكب بلسانه حراما كالغيبة والنميمة والكذب, أو استمع بأذنه إلي حرام كالفحش والزور, أو نظر بعينه إلي حرام أو ارتكب بيده حراما كإيذاء إنسان بغير حق, أو أخذ شيئا لا يحل له, أو ارتكب برجله حراما; بأن مشي إلي معصية, أو غير ذلك من أنواع المحرمات, كان مفطرا فاللسان يفطر, والأذن تفطر, والعين تفطر, واليد تفطر, والرجل تفطر, كما أن البطن تفطر, والفرج يفطر فالمعاصي لا تبطل الصوم كالأكل والشرب والجماع, ولكنها تذهب بأجره, وتضيع ثوابه والحق أن هذه خسارة ليست هينة لمن يعقلون فإنه يجوع ويعطش ويحرم نفسه من شهواتها, ثم يخرج في النهاية ورصيده صفر من الحسنات!