نستقبل بعد ساعات قليلة ضيفا عزيزا علي قلب كل مسلم رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلي الله عليه نبيا ورسولا, ألا وهو شهر رمضان المبارك, الذي نسأل الله تبارك وتعالي أن يبلغنا إياه, ولا بد لكل مسلم أن يحسن استقبال هذا الشهر الكريم, وأن يستعد له أفضل استعداد, وأن يكون له معه وقفات حتي يكون في آخره من الفائزين, وأولي هذه الوقفات هي المبادرة إلي التوبة الصادقة, ولئن كانت التوبة واجبة في كل وقت فهي في الأوقات الفاضلة أشد وجوبا, فكيف إذا كان ذلك في استقبال شهر رمضان, شهر التوبة والمغفرة والعتق من النيران! فشهر رمضان فرصة للمراجعة وتصحيح المسار وإصلاح ما فسد والندم علي ما فات من الذنوب والزلات, فلا أحد من البشر فوق الخطأ والذنب ومن ثم التوبة والعودة إلي الله, يقول النبي صلي الله عليه وسلم: كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون أخرجه الترمذي. فالإنسان بطبيعته وبحكم تكوينه يقع في الخطأ والمعصية مرارا وتكرارا, لكن لا بد أن يتبع ذلك تصحيح الخطأ وتقويم المعوج, وذلك بالتوبة والإنابة وطلب المغفرة, وقد دعانا الله إلي التوبة فقال: وتوبوا إلي الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون النور:31, ويقول النبي صلي الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار, ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل. أخرجه مسلم, وهو سبحانه يقبل توبتك الخالصة الصادقة مهما يكن ذنبك عظيما كما قال تعالي: قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم الزمر:53, بل ويفرح برجوعك إليه فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم إذا استيقظ علي بعيره قد أضله بأرض فلاة رواه البخاري, يقول ابن القيم رحمه الله: هذا الفرح من الله بتوبة عبده- مع أنه لم يأت نظيره في غيرها من الطاعات- دليل علي عظم قدر التوبة وفضلها عند الله, وأن التعبد له بها من أشرف التعبدات, وهذا يدل علي أن صاحبها يعود أكمل مما كان قبلها. والتوبة ليست كلاما يقال باللسان وفقط كما يظن بعض الناس, حين يقول: تبت إلي الله, ورجعت إلي الله, وندمت علي معصية الله, وعزمت علي طاعة الله, وإنما التوبة تغيير لحياة التائب وكأنه قد ولد من جديد, وشهر رمضان فرصة ذهبية لهذا الميلاد الجديد, فهو فرصة عظيمة للتوبة وتطهير النفس من الذنوب والمعاصي التي اعتدناها, فهو فرصة حقيقية للإقلاع عن كل معصية أو عادة سيئة نمارسها في غير رمضان; كالتدخين والإدمان والنظرات الحرام والعلاقات المشبوهة وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم وشهادة الزور والرشوة وأكل أموال الناس بالباطل وغيرها, فمن لم يتب ويتخل عن هذه الموبقات في رمضان فمتي سيتوب ويرجع إلي الله؟! من علماء وزارة الأوقاف