في حين يرتبط اسم سوزان مبارك بقضايا فساد وتحقيقات وحبس وتنازل عن ممتلكات تصدر السيرة الذاتية للسيدة تحية جمال عبد الناصر مسجلة امتنان المواطنين ونظرات العرفان في عيونهم. ويتزامن الكتاب مع أمر جهاز الكسب غير المشروع الأسبوع الماضي بإخلاء سبيل سوزان ثابت بعد أيام من حبسها لمدة15 يوما علي ذمة التحقيق بتهمة تضخم غير مشروع في ثروتها ولكنها قدمت تنازلا عن أرصدة بلغت24 مليون جنيه مصري ووافقت علي الكشف عن حساباتها المصرفية في الداخل والخارج إلا أنها مازالت خاضعة للتحقيق. وأزيل اسما مبارك وسوزان من مؤسسات رسمية كما قرر مجلس الوزراء الشهر الماضي إلغاء جائزة مبارك) أكبر جائزة في البلاد وإنشاء جائزة النيل استجابة لمناشدات سياسيين ومثقفين منذ نجاح ثورة25 يناير في خلع مبارك يوم11 فبراير. وعلي عكس سوزان التي كان لها حضور طاغ في الحياة العامة وفي المشهد السياسي في السنوات الأخيرة عاشت السيدة تحية كاظم في الظل ولم يكن يعنيها طوال18 عاما كان فيها زوجها ملء السمع والبصر إلا أنه زوجي الحبيب..أي لا رئاسة الجمهورية ولاحرم رئيس الجمهورية كما تقول في المقدمة. وصدر كتاب( ذكريات معه) عن دار الشروق ويقع في136 صفحة كبيرة القطع إضافة الي110 صفحات أخري تشغلها صور لعبد الناصر منذ صباه حتي وفاته يوم28 سبتمبر1970 وتشغل فترة رئاسته الجانب الأكبر منها. ومن بين عشرات الصور لعبد الناصر في مصر وخارجها لاتوجد صور رسمية لزوجته باستثناء صورة واحدة بصحبة زوجة رئيس زائر وكتب تحتها( تحية) في أحد الاستقبالات الرسمية بالمطار. وتحية التي تزوجت عبد الناصر يوم29 يونيه1944 تروي في سيرتها أنها عاشت سنوات دون أن تكتب مذكراتها وفكرت في الأمر لأول مرة حين كان زوجها في سوريا أيام الوحدة في سنة1959 وواظبت علي الكتابة نحو ثلاث سنوات وكان يرحب بذلك وتقول إنها غيرت رأيها لا أريد أن اكتب شيئا وتخلصت مما كتبت وأخبرت الرئيس فتأسف وقال لها أفعلي ما يريحك. وتضيف كتبت عما أذكره من مواقف ومفاجآت مما كان يحصل في بيتنا وما كنت أسمعه وأشاهده بعيني وما كان يقوله لي الرئيس وقررت ألا أكتب أبدا. وقلت له: وأنا مالي..وضحكنا.. ثم تروي أن عبد الناصر كان آسفا لأني لم أستمر في الكتابة وتخلصت مما كتبت. وتسجل أنها بدأت الكتابة مرة أخري عام1972 ولكنها لم تحتمل, توقفت عن الكتابة وتخصلت مما كتبت ثم رأت أن تكتب في ذكري وفاته الثالثة1973. وكان عبد الحكيم الطالب بكلية الهندسة بجامعة القاهرة أصغر الأبناء في الثامنة عشرة هو الذي ألح عليها أن تكتب ليعرف كل شيء عن أبيه. وتسجل أن عبد الناصر ليلة ثورة23 يوليو1952 داعب أولاده هدي ومني وخالد وعبد الحميد ثم ارتدي الزي العسكري فسألته الي أين يذهب الآن.. وكانت أول مرة أسأله أنت رايح فين منذ زواجنا فلم يخبرها بشيء بل قال بهدوء إن عليه أن ينتهي الليلة من تصحيح أوراق كلية أركان الحرب وعليها ألا تنتظر رجوعه إلا بعد ظهر الغد. وتقول إن الفجر حمل اليها البشري وأخذت أبكي وقلت: الآن أنا فهمت.. إنه انقلاب عسكري...قلت مرة أخري: أنا الآن عرفت أنه انقلاب عسكري ونجح.بس فين جمال؟ أريد أن أطمئن عليه. وكنت أبكي وبقيت جالسة حتي الصباح لم أدخل حجرة النوم ثم جاءها ثروت عكاشة في الصباح وهنأها وأبلغها أن عبد الناصر في القيادة العامة للقوات المسلحة. وترصد المذكرات الحد الفاصل بين العام والخاص في حياة عبد الناصر.. فتقول تحية إن أعضاء مجلس قيادة الثورة كانوا أحيانا يجتمعون في البيت حتي الصباح أو الظهر ثم يذهبون ويعودون مرة أخري بالليل وكانت القوانين التي تصدر وأقرأها في الجرائد وأسمعها في الإذاعة تصدر أغلبها بعد الاجتماعات المستمرة في بيتنا وتكتب بعفوية عن دهشتها حين ترد علي التليفون وكنت أسمع كلمة وزير ولم أعتد سماعها إذ كيف يتحدث وزير ويطلب بيتنا في التليفون؟ اما المكالمة التي سعدت بها تحية فكانت من أم كلثوم التي قابلت عبد الناصر وطلبت أن تزور زوجته. وتقول: إن عبد الناصر كان يرجع مبكرا يعني الساعة الواحدة أو الثانية أو حتي الثالثة صباحا أما عند رجوعه الساعة السابعة صباحا فكان ينام ساعات قليلة ويخرج قبل الظهر. وتسجل أن عبد الناصر بعد شهور من إعلان الجمهورية عام1953 كان مشغولا بإصدار صحيفة( الجمهورية) وكان يراجع أعدادها التجريبية في البيت قبل الصدور وكانت الفرحة علي وجهه وهو يسلمني العدد الأول(7 ديسمبر1953) وكنت أعتز بجريدة الجمهورية لما شاهدته من اهتمام جمال عبدالناصر بها. كانت مقالات مهمة تصدر في جريدة الجمهورية باسم أنور السادات والذي كان يكتبها هو جمال عبد الناصر. وفي مرة قلت له: إن هذه المقالة من كلامك وقد عرفته وفهمت أنك كاتبها..فرد وقال نعم. وتلقي المذكرات أضواء علي جانب من عبدالناصر الإنسان..ففي عام1960 كانا في زيارة رسمية لليونان وأبلغ عبد الناصر بدعوة الملك الي عشاء يجب أن يكون بملابس السهرة للرجال والنساء فقال عبد الناصر إنه لن يرتدي ملابس السهرة أو يلغي اللقاء فرد الملك قائلا إنه يرحب بحضور عبدالناصر وينتظر زيارته المهم أن يزور اليونان. وفي اليونان وقفت الملكة بجوار الرئيس( عبدالناصر) لتتأبط ذراعه وتمشي بجواره فقال لها: سأمشي بجوار الملك وأنت تمشين بجوار زوجتي. فسألته الملكة: وماذا لو تأبطت ذراعك؟ قال لها: إني أخجل..فرجعت الملكة ووقفت بجواري وقالت لي بالإنجليزية: أعطني يدك أو آخذ يد زوجك.. وتحت عنوان( الوحدة والانفصال) تتناول الوحدة بين مصر وسوريا(1958 1961) من لحظة النهاية حين تلقي عبدالناصر مكالمة تفيد بوقوع انقلاب عسكري في سوريا ثم خرج وخطب في الإذاعة وكانت متأثرة لحزنه وفي نفس الوقت للحقيقة لم أكن حزينة للانفصال...لم تكن الوحدة بالنسبة لي شيئا استريح له...زاد عمله لأقصي حد وفي آخر سنة1958 مرض بالسكر. وتقول إن عبدالناصر وصفها في جلسة استرخاء علي الشاطيء مع وزير الحربية آنذاك عبدالحكيم عامر إنها انفصالية ولم تكن تعجبها الوحدة..وضحكا وكانت هي الحقيقة فضحكت وقلت: إنها كانت عبئا وأزيح..وضحكنا جميعا. وتقول إنه لم يكن يحب البذخ والترف ولايري ضرورة لأن تصاحبه في سفره باعتبار ذلك رفاهية لايرضي بها...كان الرئيس لايقبل هدية إلا من رئيس دولة ويفضل أن تكون رمزية وإنه تلقي من رؤساء وملوك سيارات وطائرة وغيرها وسلمها للدولة ولم يترك بعد رحيله إلا العربة الأوستن السوداء اشتراها عام1949. وتضيف أنه عند زواج ابنتهما هدي قدمت زميلة لها وهي ابنة سفير ساعة مرصعة فلم يقبلها عبدالناصر وحث هدي علي أن تكتب لزميلتها خطابا رقيقا. ويتزامن صدور الكتاب مع اتهامات موجهة لرئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق زكريا عزمي بتضخم الثروة خلال عمله مع مبارك. وكانت محكمة قررت الأسبوع الماضي إخلاء سبيله بكفالة200 ألف جنيها علي ذمة التحقيقات مستندة الي كبر سنه وإلي أن كثيرا من ثروته كان مكافآت وهدايا من رؤساء دول أجنبية قائلة إن هذا لايدخل في الكسب غير المشروع.