يبدو أن الجدل والمفاجآت والتهديدات أيضا لن تنتهي بمجرد اغتيال الولاياتالمتحدة لأسامة ابن لادن زعيم تنظيم القاعدة, والذي كانت تظن واشنطن أنها وضعت نهاية لجميع المخاطر التي تهدد أمنها من خلال التخلص منه. فإلي جانب رفض البعض حتي داخل أمريكا لعملية الاغتيال وزيادة الأصوات المطالبة بتطبيق العدالة الأمريكية من خلال التحقيقات والمحاكمات, ليس من خلال تنفيذ أحكام الإعدام في أعداء واشنطن, أعلن البعض أيضا رفضهم للفرحة العارمة التي استقبلت بها أمريكا مقتل زعيم القاعدة أو الشيخ, كما كان يحب أن يناديه رفاقه, واستدعي البعض مقولة مارتن لوثر كينج الزعيم الراحل لحركة الحريات المدنية في واشنطن: إننا نحزن إذا فقدنا مواطنين أمريكيين ولكن ينبغي ألا نفرح في وفاة أحد أعدائنا. تلك المقولة تسببت في إحراج الرئيس أوباما, ولكن جديد صحيفتي وول ستريت جورنال الأمريكية و هاآرتس الإسرائيلية التركيز علي الخبرة الإسرائيلية التي استعانت بها واشنطن لقنص زعيم القاعدة ومدي فائدة مقتله بالنسبة لإضعاف القاعدة أو تحقيق الأمن لواشنطن. نشرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية مقالا تحت عنوان هل استخدمت الولاياتالمتحدة دروس عنتيبي في الإعداد لقتل ابن لادن؟ وقالت الصحيفة إن الأدميرال الأمريكي وليام ماكرافن كتب كتابا في منتصف التسعينيات حول العمليات الخاصة بما في ذلك مناقشة كيفية جمع إسرائيل للعمليات الاستخباراتية واتخاذ القرارات في عملية عنتيبي بأوغندا عام1976 والتي نفذتها قوة كوماندوز عسكرية إسرائيلية بقيادة جونثان نتانياهو شقيق رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي, فخلال ساعة واحدة قتلت قوة الكوماندوز جميع المشاركين في اختطاف طائرة من طراز إير فرانس وعلي متنها822 مسافرا و21 من طاقم الطائرة كانوا متجهين من تل أبيب لفرنسا يوم27 يونيو عام1976, ونجحت القوة في تحرير الرهائن فيما عدا شقيق نتانياهو وثلاثة رهائن لقوا حتفهم في العملية التي قامت بها عناصر فدائية من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. كتاب وليام ماكرافن تضمن فصلا كاملا عن هذه العملية ووحدة تسايريث متكال الإسرائيلية للعمليات الخاصة وكيفية جمع المعلومات الاستخباراتية. المفاجأة أن كتاب ماكرافن الذي أعده منذ عشر سنوات استخدم في الإعداد للهجوم الذي نفذته أمريكا علي ابن لادن وأسفر عن مقتله. أول وثيقة في مكتب التحقيقات الفيدرالي تتعلق بأسامة ابن لادن هي بلاغ للإنتربول يحتوي علي مذكرة اعتقال دولية لزعيم القاعدة, وما يثير الدهشة أن طلب الاعتقال جاء من وزارة العدل الليبية بأمر من الزعيم الليبي معمر القذافي. حيث كان بن لادن وأربعة من رفاقه مطلوبين بتهمة قتل اثنين من المواطنين الألمان في مدينة سرت الليبية عام1994 والحيازة غير المشروعة للأسلحة النارية. الإنتربول طلب من جميع الدول فيما عدا إسرائيل تسليم المشتبه بهم بناء علي طلب القذافي في ذلك الوقت, كما وقع مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي مذكرة اعتقال لابن لادن, وفي عام2002 عرضت مكافأة قدرها5 ملايين دولار رفعت بعد11 سبتمبر إلي52 مليون دولار لمن يرشد عن مكان ابن لادن, إلي جانب مليوني أخريين من قبل جمعية طياري الخطوط الجوية الأمريكية. التعقب الأمريكي لمرسال ابن لادن في أبوت آباد يذكر بطريقة التعقب الإسرائيلي لمكان اختباء خاطفي الجندي الإسرائيلي نحشون واكسمان وتوصلت تل أبيب لمكانه من خلال الرجل الذي كان يمثل حلقة الوصل بينهم وبين العالم الخارجي. وذكرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية أنه في السنوات الأخيرة كان هناك ضباط كبار وقادة عسكريون برئاسة الأركان الإسرائيلي قاموا بزيارة قواعد القوات الخاصة الأمريكية في ولايتي نورث كارولينا وفلوريدا, كما قام رئيس المخابرات المركزية الأمريكية ليون بانيتا بزيارة تل أبيب قبل نحو3 أشهر واستضافة رئيس الموساد تامير باردو. ماكرافن مؤلف كتاب العمليات الخاصة أصبح الرجل الثاني في كوماندوز قوات البحرية الأمريكية وكشفت التقارير النهائية عن أنه قاد عملية اغتيال ابن لادن. هاآرتس ذكرت أن قوات البحرية الأمريكية التي تشمل قوات المشاة تتحرك بشكل مستقل وتتعامل مع كل منظمات الاستخبارات لتلبية احتياجاتها, كما تستخدم أسراب الطائرات الهليكوبتر في عملياتها الخاصة. وكشفت الصحيفة عن أن انفصال المخابرات الأمريكية في مكتب التحقيقات الفيدرالي المسئول عن الأمن الداخلي والمخابرات المركزية سي.أي.إيه المسئولة عن الاستخبارات الخارجية كان سببا في عدم توحد الأوامر وتناثر البيانات التي أدت لعدم استخدامها بالشكل الجيد مما جعل منفذي هجمات11 سبتمبر2001 يدخلون أمريكا من الباب الأمامي بجوازات سفر سليمة وتوخي الحذر بشأن عمليات التنصت.وتحت عنوان قتل قادة المقاومة.. خبرة إسرائيليةقال محلل المخابرات والعسكري مستر برجمان ومؤلف كتاب الموساد وفن الاغتيال في مقال بصحيفة وول ستريت جورنال إنه قبل أن يسمع معظم الناس عن اسم أسامة بن لادن كان الموساد الإسرائيلي يعرف كل شيء عنه, ففي عام1995 عندما حاول مسلحون قتل الرئيس المصري السابق حسني مبارك في إثيوبيا طلبت المخابرات الأمريكية والمصرية مساعدة الموساد في التحقيقات الجارية بشأن الحادث. الموساد اكتشف أن إيران وجماعة غير معروفة من المجاهدين مسئولتان بشكل مشترك عن تنفيذ محاولة الاغتيال. لاحظ الموساد أن بين هؤلاء المجاهدين متطوعين حاربوا ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان ومن خلال تتبعهم عرف أن أحدهم لاجئ في السودان وهو سعودي ثري يدعي ابن لادن. الموساد كان قلقا للغاية بشأن هذه المعلومات التي تتعلق بتكوين منظمة جهادية لها قاعدة كبيرة لكنها لا تتبع دولة بعينها. وقالت وول ستريت جورنال إن الموساد كان وراء أول محاولة لاغتيال زعيم القاعدة عام1995 لكنها فشلت حيث كان يخطط لدس السم له. إسرائيل أكثر دولة استخدمت عمليات الاغتيال للتخلص من خصومها منذ الحرب العالمية الثانية برغم أنها تنفي رسميا مسئوليتها عن هذه العمليات. وعلي الرغم من إعلان أمريكا الرسمي رفضها لتلك التصرفات الإسرائيلية فإنها تغض الطرف عن تلك الممارسات. وقد قامت تل أبيب بتدريب قوات أمريكية علي العمليات الخاصة في بيئات مختلفة والتي تم تنفيذها لاحقا من قبل واشنطن في أفغانستان والعراق. بعد مقتل ابن لادن أصبح السؤال الذي يواجه المخابرات الغربية هو: ما هو الاتجاه الذي سوف يسلكه تنظيم القاعدة في المرحلة المقبلة؟ وقالت صحيفة وول ستريت جورنال إن قتل أي زعيم منظمة يؤثر عليها لفترة ما ولكنها قد تتحول لكيان أقوي من خلال زعيم جديد أكثر نشاطا وخطورة من سابقه. في16 فبراير1992 ضربت طائرة من سلاح الجو الإسرائيلي طراز آباتشي قافلة من السيارات في لبنان لتقتل عباس موسوي أحد مؤسسي حزب الله والأمين العام له. وانتقاما لقتله وقع هجوم علي السفارة الإسرائيلية في بيونس أيرس بالأرجنتين والذي أسفر عن مقتل29 من المدنيين. وأدي مقتل موسوي علي المدي البعيد لبزوغ نجم حسن نصر الله الزعيم الجديد للحزب وهو يتمتع بكاريزما ليصبح الحزب قوة سياسية وعسكرية في لبنان, كما غير أهداف الحزب ليصبح مكافحة إسرائيل علي رأس أولوياته. وفي2004 وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون علي اغتيال الشيخ أحمد ياسين زعيم حركة حماس, ووفقا لتقديرات الموساد فإن مقتله كان سيؤدي للحد من عنف المنظمة في المستقبل. وفي الحقيقة, فإن مقتله لم يؤد لتدمير حماس كما كانت تعتقد تل أبيب, ولكنه أدي لصعود خالد مشعل وأصبحت حماس أكثر تنظيما وتتلقي دعما من جانب إيران علي المستويين المادي والعسكري. وفي1988 اغتالت تل أبيب القائد العسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية خليل الوزير المعروف باسم أبوجهاد في تونس حيث كانت الحجة قدرته علي تنفيذ العمليات ضد إسرائيل, وكانت تل أبيب تأمل وقف الانتفاضة بقتل أبوجهاد, ولكن ظهر ياسر عرفات, وبدلا من توقيع تل أبيب اتفاق سلام معه حاولت اغتياله في مارس عام1968 بالأردن لكنه هرب وقتل العديد من الجنود الإسرائيليين في العملية, تبع ذلك عمليات كثيرة لقنص عرفات بينها محاولة خلال حرب بيروت عام1982 وظلت هناك مناقشات لسنوات طويلة داخل مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي حول ما ينبغي فعله إزاء عرفات, ثم حصل علي مشروعية القيادة الفلسطينية دوليا وطال ذلك قطاعات من المجتمع الإسرائيلي والذين اقتنعوا بدوره. ولكن بعد إعلانه تأييد المقاومة الفلسطينية التي استهدفت إسرائيل بداية عام2000 سقطت شرعيته بالنسبة لتل أبيب وبدأت تبحث من خلال الموساد مرة أخري عن كيفية اغتياله. ودرس شارون كل السبل للتخلص من عرفات في عملية عسكرية, ثم توفي في مستشفي بباريس بعد إصابته بمرض غامض أشير بأصابع الاتهام فيه للموساد الإسرائيلي, وبرغم عمليات الاغتيال المتعددة لتل أبيب فإن هذا لم ينجح في تحقيق أمنها. وذكرت صحيفة الفايننشيال تايمز أن نجاح التجسس والقوات الخاصة الأمريكية في قنص ابن لادن سيجعل أمريكا تركز عليهما لتنفيذ عمليات محددة ضد حركة طالبان علي سبيل المثال في أفغانستان خاصة مع الاتجاه لخفض نفقات التسلح باقتطاع400 بليون دولار خلال السنوات العشر المقبلة. وأكد جون ناجل الخبير في الهجمات المضادة والكولونيل السابق في الجيش الأمريكي ورئيس مركز واشنطن للأمن الأمريكي الجديد أن طبيعة الحروب تغيرت, حيث تستمر التكنولوجيا في التقدم مما يطرح تحديات المواجهة مع أعداء بلا دول أو مع المنظمات الصغيرة التي تشكل تهديدا لواشنطن حتي خارج أراضيها. وقال: إن ذلك يفرض ضرورة التعاون بين الجيش والمخابرات في جمع المعلومات لتحديد أماكن المشتبه بهم حتي من خلال إشارات الأقمار الصناعية, كما أن البنتاجون استحدث قيادة للحروب الإلكترونية بعد الهجوم بفيروس ستاكسنت علي إيران. وأضاف الخبير الأمريكي أنه إذا نصح أي خبير أوباما بنشر المزيد من القوات في المستقبل في أي دولة, فإنه سوف يخضع لاختبار للكشف عن مدي صحة قواه العقلية!