أين ذهبت حفلات الربيع ولماذا اختفت الليالي الغنائية الجميلة التي كانت تعلن عن ميلاد موسم غنائي جديد ملئ بالفن الراقي المتدفق, والذي أخذ المطربون والمؤلفون والملحنون يعدون له طيلة أشهر البيات الشتوي؟! أين راحت,وإلي أي مكان ذهبت حفلات الطبقة المتوسطة والناس الغلابة الذين كانوا ينتظرون طيلة العام حفلات موسم شم النسيم والربيع للاستمتاع بوجبة فنية دسمة تعيد النشاط وتحرك المفاصل الغنائية التي كادت تتيبس من خمول الشتاء؟! كان الكثيرون يتسابقون لقضاء سهرة فنية محترمة مع أبرز نجوم الطرب وفراودة الغناء الشرقي الأصيل,وكانت الحفلات في هذا الموسم تجعل مسارحنا عبارة عن معزوفة موسيقية لا نشاز فيها ولا خروج عن المقام, كانت الأسر ترابض إلي جوار المذياع صاغية مستقبلة لكل ما جادت به قرائح مبدعينا من كلمات وألحان خرجت إلينا عبر أصوات ندية شجية, كما كانت هناك حفلات نهارية تقام يوم شم النسيم بمختلف الأندية,وكان الراديو يذيع حفلي الأهلي والزمالك علي الهواء,وعلي قدر انتظار الجماهير العريضة لكل منتج فني طربي جديد علي قدر تسابق فنانينا للمشاركة في هذا العرس الغنائي الموسمي. في هذا الزمان الذي تبدل فيه كل شيء وتغير وتحول,بل واختفي واندثر,لم تعد لدينا حركة غنائية بمعناها الحقيقي,وكشطت من علي خريطتنا الغنائية حفلات الربيع وأضواء المدينة وليالي التليفزيون أيضا التي وأدت محاولات أحيائها قبل أن تبدأ,وكان الله بالسر عليما,ضاعت الحفلات التي كان يرتادها بالقاهرة عاصمة الفن العربي الطبقات المتوسطة والغلابة الباحثين عن متنفس فني وقور ومحترم,ولم يعد هناك سوي الحفلات الاستثمارية الراقصة علي أغلب مسارح القري السياحية بمارينا وشرم والغردقة ورأس سدر والعين السخنة. وإذا كانت لم تستطع أي مطربة الغناء للربيع مثلما أبدعت الراحلة سعاد حسني أغنية الدنيا ربيع كلمات صلاح جاهين,وألحان كمال الطويل,فإن هناك مقولة ترددت في الزمن الجميل وشاعت مفادها لا يأتي الربيع إلا عندما يغني له فريد الاطرش رائعته الأشهر, والتي غناها فريد لأول مرة عام1949 في فيلم عفريتة هانم وبعد ذلك غناها مع كل حفل ربيع, ولعل الجمهور من كبار السن مثلي مازالوا يتذكرون التوزيع الموسيقي الرائع للأغنية في ليلة شم النسيم يوم26 إبريل1970, وهي المرة الأخيرة التي قدم فيها فريد رائعته الخالدة والأغنية الأشهر التي عبرت عن المناسبة,بشهادة العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ الذي لم يجد غضاضة رغم حالة تنافسه مع الأطرش أن يجيب قبل45 سنة علي سؤال الإعلامي القدير طارق حبيب رزق الله فضائياتنا الكثير من أمثاله في برنامجه أوتوجراف تحب تغني إيه؟ أجاب حليم الربيع لفريد. أما ما لا يعلمه الكثيرون أن أغنية الربيع كتبها الشاعر مأمون الشناوي خصيصا لكوكب الشرق أم كلثوم وكان الموسيقار فريد الأطرش يتمني أن تتغني الست من ألحانه, وكانت تري أن ألحانه لا تناسب أحدا غيره,فقرر أن يغنيها بنفسه, فحققت له نجاحا كبيرا وأصبحت أيقونة حفلات عيد الربيع فيما بعد وحتي الآن. ولأن الشيء بالشيء يذكر فقد كان فريد يريد أن يغني العندليب من ألحانه أيضا وأعد له لحن أغنية يا واحشني رد عليا,تهرب فيما يبدو حليم فذهب اللحن لمحرم فؤاد وكسر الدنيا,وشعر العندليب بالحزن علي عدم أدائه للأغنية. زمان كنا نعيش زمن الربيع الفني بجماله ووروده وجوه وفنه البديع,واليوم اقتحمنا عنوة الربيع الغربي أقصد العربي بإرهابه ودمويته ودماره وقتله الأبرياء. بأي حال عدت أيها الربيع؟!