استكمالا للبانوراما العاطفية بين نابليون وجوزفين التي توسمت فيه النبوغ السياسي والعسكري,ولذا فقد نصبت شباكها حوله محققة نبوءة العرافة القديمة مستعينة بجاذبيتها الخاصة وسحرها الأخاذ وشباكها التي تنصبها للإيقاع برجال استطاعت بوجودها معهم أن تسجل بصمتها داخل التاريخ لا خارجه بل استطاعت أن تستأثر منهم بكلمات رقيقة عذبة حانية قلما يخطر لأبطال المعارك وقادة السياسة أن تخرج منهم, ولكنها بالفعل قد خرجت حينما عبر نابليون عن ذلك بل حينما جعلت جوزفين منه شاعرا أديبا حتي إنه قال:إنني أصحو من نومي فتتجه أفكاري إليك وأن صورتك والمساء الذي قضيته برفقتك أمس قد جعلا حواسي في حالة عجيبة من القلق. أي جوزفين العذبة التي لا مثيل لها..أي تأثير عجيب تؤثرينه في قلبي؟..هل أنت متكدرة..وهل أراك حزينة وهل أنت قلقة؟..إذن قلبي يكاد يتحطم ولا يجد صديقك راحة له..ولكني أصبح في حالة أحسن من ذلك حين أترك نفسي للعاطفة التي ينبض بها قلبي وأحاول أن أشعل لهيب الحب في قلبك وفوق شفتيك. ثم كان أن تزوجها نابليون بعد هذه الكلمات التي كشفت أو فضحت مشاعره الجياشة الصادقة, وكان ذلك في وقت حرج هو ذلك الوقت الذي بدأ نابليون بكل جلاله وهيبته أن يلفت أنظار فرنسا ويكسب إعجابها بانتصاراته العملاقة في إيطاليا حتي إن جماهير فرنسا كانت تهتف تحت شرفة جوزفين وتلقبها بسيدة الانتصارات. بعد كل هذا ماذا كان من جوزفين تلك اللعوب؟..إنه ما إن دخل نابليون حومة معاركه الضارية حتي بلغته شائعات سافرة تعلن عن خيانتها له مستعينة بأحد قواد نابليون وهو( بارايس) الذي حثها علي السفر معه وهي تعلم يقينا أنه يترقب فرصة لينزل بزوجها ضربة قاضية تمثل نهايته لكنها أطاحت به ووقعت في حب حارسها( هيبوليث شارل)!! وظل نابليون يكابد الأهوال بهذا الحب الذي حسبه التاريخ عليه لا له!! وقد قال في هذا:وددت لو أتنازل مقابل أن أعلم أن ما قاله جونولي ليس صحيحا,ما أشد حبي لتلك المرأة, وعندما عاد من إحدي غزواته ذهبت إليه وحاولت معه في شيء من الوداعة أن تستميل مشاعره وتخدر إحساساته حتي ركعت أمامه مستغفرة فأجلسها جانبه وطلب منها أن تذكر له الحقيقة ودون مواربة,لكن الغريب- ولا نستغرب شيئا مع جوزفين- إنها قد اعترفت أمامه بكل ما كان منها, وغاب نابليون في دهشة عميقة مستنكرا صراحتها في المواجهة فأمرها بأن تغادر المدينة في الحال وهنا لم تجد شيئا تلجأ إليه إلا دموعها التي لم تخذلها يوما والتي لا تزال هي السلاح الذي ينهزم أمامه نابليون,فرق لها قلبه ولانت لها نفسه وعاد خاضعا!! وحول هذا استمر أهل نابليون يحيكون لها الفتن والدسائس لكنها كانت أبرع منهم في الخروج منها قبل الدخول فيها,ولما بلغ قمة مجده وتوج إمبراطورا علي فرنسا كانت جوزفين إلي جانبه وتوجت معه إمبراطورة,وقد مكثت كذلك قرابة ست سنوات,ولما عاد إلي فرنسا كان قد اختمر في ذهنه أن الطلاق ضرورة مهمة تتعلق بالدولة فقال نابليون( إذا كان لابد من هذا الأمر يا جوزفين فإن واجبك أن تبذلي لي العون بهذه التضحية)!! غير أن جوزفين لم تكن راغبة في الطلاق بل دأبت علي السعي نحو السعادة رغم تقصيرها نحوه وخيانتها له!! وبعد ذلك كانت قد اكتملت أنوثتها ودربت نفسها من جديد علي سحر الرجال بنعومتها وسحرها وبعد أن جاءتها وثيقة الطلاق أبت أن توقعها حتي جاء الوقت ووجدنا نابليون نفسه في حالة خاصة من الجرأة النادرة وقال لها:(إن أعز عواطفه يجب أن تصمت أمام مصالح فرنسا) وما إن سمعت ذلك حتي توالي صراخها وملكها الإغماء وخر نابليون باكيا أمامها بكاء الأطفال!!