خسرت مصر المباراة النهائية في بطولة كأس الأمم الأفريقية في نسختها الحادية والثلاثين وخسرت مشهد التتويج ورفع الكأس للمرة الثامنة في تاريخها, ومعها خسرت مليوني دولار هي الفارق بين ما يحصل عليه البطل ووصيفه. ومقابل تلك الخسائر كسبت مصر ما هو أهم بالنظر لما مر بها خلال السنوات السبع الماضية منذ حصولها علي البطولة في عام2010 وهو مشهد الالتحام الجماهيري لتشجيع المنتخب المصري والفرحة التي رسمها المنتخب مع كل مباراة كان يتخطاها بنجاح وصولا إلي المباراة النهائية. عودة الجماهير إلي تشجيع المنتخب ورفع الأعلام المصرية التي عجت بها شوارع مصر هي المكسب الحقيقي الذي يجب استثماره والبناء عليه, خاصة أن الحديث هنا لا ينصرف إلي عودة مشجعي كرة القدم المحترفين إذا جاز التعبير. فالجماهير العائدة والمشجعة للمنتخب الوطني ضمت كل فئات الشعب المصري, شيوخه قبل شبابه, وسيداته قبل رجاله. باختصار فإن الذين هتفوا للمنتخب وهو يلعب علي بعد آلاف الأميال لم يكونوا محبي كرة القدم بقدر ما كانوا الشعب المصري الذي اصطف خلف وطنه. الروح الوطنية التي أبدتها تلك الجماهير أثبتت بما لا يدع مجالا للشك في قدرة المصريين وحاجتهم الشديدة للفرح رغم كل المصاعب التي يعانون منها ولسان حالهم يقول أنا لسه قادر في الحزن أفرح لأننا لو بطلنا نحلم نموت. وهنا لابد من الإشارة إلي حالة الفرز التي تمت بين المصريين الذين يحبون وطنهم أيا كان وضعه وبين هؤلاء الشرذمة الذين تمنوا الخسارة للمنتخب وصلوا من أجل تلك الخسارة واستكثروا علي المصريين الفرحة بالمنتخب في ظل التحديات التي تمر بها مصر. إضافة إلي ذلك فإن مشهد النهائي كان فيه الكثير من الدروس أيضا. انظر إلي تقبل المصريين لهزيمة منتخبهم في المباراة النهائية تقديرا لأداء ذلك المنتخب وتقديرا للظروف التي مر بها أثناء البطولة من سوء ملاعب وإصابات للاعبين. فلم تحدث حالة من الهجوم علي المنتخب وإهالة التراب علي ما حققوه, بل سادت حالة من الشكر والامتنان لما قدمه المنتخب, وانعكست تلك الحالة في إصرار الرئيس عبد الفتاح السيسي علي استقبال المنتخب لدي وصوله إلي القاهرة استقبال المنتصرين, حيث جري الاستقبال في مطار القاهرة وحيا الرئيس المنتخب فردا فردا. وكانت كلمته لهم أسعدتم المصريين فارفعوا رؤوسكم ونحن نقدر لكم جهدكم والقادم أفضل. كما كان مشهد اصطفاف المنتخب الكاميروني كطابور شرف مر من خلاله المنتخب المصري أثناء تسلمه ميدالياته مشهدا رائعا بكل ما تعنيه الكلمة, وربما يكون ذلك من أفضل المشاهد في تلك البطولة. فهو مشهد يبعث علي الالتزام بالروح الرياضية وتأكيدا علي أن الرياضة منافسة وليست معركة أو حربا, وكنت أتمني أن يشمل ذلك التقليد أن يقف الفريق الخاسر أيضا كطابور شرف للفريق المنتصر أثناء تسلم كأس البطولة. انقضت البطولة الإفريقية بينما نحن مقبلون غدا علي مباراة السوبر المصري التي تستضيفها الشقيقة دولة الإمارات العربية المتحدة. المباراة مصرية والفائز والخاسر مصريون, فهل ننجح في الحفاظ علي مكسبنا الحقيقي من كأس الأمم الإفريقية؟ أي هل نحافظ علي الروح الرياضية لدي الجماهير؟ هل نحتفظ بهم ضلعا أساسيا في لعبة كرة القدم؟ هل تشهد شوارع القاهرة مشهدا من مشاهد بطولة كأس الأمم الإفريقية؟ كل ذلك ممكنا وضروريا شريطة أن يبدأ حدوثه في أرض الملعب بين الفريقين. أي أن يتسم لاعبو الفريقين بالروح الرياضية تماما لنبني علي الصورة المشرفة التي ارتسمت في البطولة الإفريقية. وهنا أدعو وأتمني من مسئولي الفريقين أن يتم تنظيم طابور شرف من الفريق الفائز للفريق الخاسر أولا ثم طابور مشابه من الخاسر للفائز. فالبطولات تعقد وتنفض ويبقي منها فقط المكاسب الحقيقية. فمصر في حاجة دائما إلي تصدير صور ناصعة البياض عما يحدث بها وعما يمكن أن تكون عليه رياضيا وسياسيا واجتماعيا. فلنجعل من مباراة السوبر المصري استكمالا لما تم خلال الأسبوعين الماضين بدلا من أن تكون إجهاضا له.