حيث يصبح باطن الأرض عند سكان العشوائيات أرحم من ظاهرها ويصبح استمرار الحياة مرهونا بغرفة لا تتعدي مساحتها عشرة أمتار للمأكل والمشرب والنوم فوقتها ستنفجر ثورة من نوع آخر لا تقل خطورة عن أعظم الثورات وهي ثورة العشوائيات التي تملأ مصر إلي أقصاها. هناك علي أرض مصر15 مليون مواطن يعيشون في1221 منطقة عشوائية تمثل قنبلة موقوتة تتأهب للانفجار في أي لحظة وتحتاج إلي حلول غير نمطية للسيطرة عليها هذا ماأكدته أحدث التقارير الصادرة عن الجهاز المركزي للمحاسبات منها67 منطقة عشوائية في القاهرة وحدها يعيش في حجرتها الضيقة8 أفراد يأكلون ويشربون وينامون في مساحة لا تتجاوز مترين ونصف طولا وعرضا. ظروف قاسية لو عايشها أحد الوزراء السابقين أو المسئولين بمصر كيف سيكون شعوره في وسط هذا المرتع تنمو الجريمة والفساد ومتعاطو المخدرات وأرباب السوابق وتدريجيا يتحولون الي خطر داهم علي المجتمع بأسره. الحكايات عديدة ومؤلمة وضعفاء لا حول لهم ولا قوة أناس ينامون علي الحرير وأناس لم يجدوا حتي الحصير جاء ذلك في الوقت الذي فشل فيه المحافظون السابقون في التصدي لحل أزمة العشوائيات في حين أكد المحافظون الجدد أن مشكلة العشوائيات أول اهتماماتهم. الأهرام المسائي رصد حال العشوائيات في مصر فكانت البداية في منشية ناصر وكان أول من قابلناه صباح عبدالغني ربة منزل حيث تقول أن لديها3 أبناء في مراحل التعليم المختلفة وتعيش حياة غير آدمية موضحة أن الحجرة التي تسكن فيها لا تصلح لحياة الانسان وآدميته حيث لا تري الشمس وتنضح بمياه الصرف الصحي الذي يحمل كثيرا من الأوبئة والأمراض التي تخيم علي حياتهم وتضيف أنها ترغب في أن تتنفس هواء نقيا ولكنه حلم مستحيل. أما نعيمة شعبان47 عاما أرملة وتعيش قصة أخري من حياة المعاناة والتعب فكل مايدور بعقلها تخوفها من انهيار سقف الحجرة بسبب تسرب الصرف الصحي بالاضافة الي برودة وقسوة فصل الشتاء التي تمثل خطرا أكبر علي حياتهم. لكن سهر فتحي تقول أن لديها3 أطفال وتعاني منذ15 عاما من ويلات الصرف الصحي الذي بات مشكلة تؤرقها وتقلق منامهم خوفا من إنهيار المنزل فوق رؤوسهم وتضيف أن المسئولين وعدوهم بالانتقال إلي شقق جديدة لكنهم فوجئوا بإعتداء البلطجية عليهم واستيلائهم علي تلك الشقق لحسابهم وتقول انهم تقدموا بشكاوي كثيرة لرئيس الحي والمحافظ الأسبق ولكن لا حياة لمن تنادي. ويحكي الحاج حسن أبو العلا سائق مأساته داخل حجرته حيث يقول ان لديه3 بنات لكنهم يقومون بتغطية سقف الحجرة بمشمع من البلاستيك نظرا لسقوط مياه الصرف الصحي فوق رؤوسهم ليل نهار بالاضافة إلي أنه أصبح الآن طريح الفراش بسبب تعرضه لحادث سيارة أليم اصابه بشبه شلل فهو الآن يفكر مهموما ليل نهار كيف يستطيع أن يوفر لأسرته حياة كريمة وعيشة نظيفة خاصة في ظل عدم اهتمام المسئولين بهم قائلا أرحمونا وانقذونا قبل حدوث كارثة. ويقول كمال علي انه يعيش وأسرته في حجرة بحمام مشترك مع الجيران ودخله في يوم العمل قد يتراوح بين20 الي30 جنيها ينفق منها علي أسرته ويتساءل أين الحكومة مما نحن فيه فلا أحد يسأل عنا لكن في أيام الانتخابات السابقة سمعوا عن وعود بمنحهم شققا بديلة والعيش مثل البني آدمين وبعد الانتخابات ينتهي كل شيء بالإضافة إلي أنهم يعيشون علي أكل المش والفلفل المقلي ولا يأكلون اللحمة ولا الفراخ إلا كل شهرين أو ثلاثة. نفسي أستريح في آخر أيامي هكذا بدأت فوزية محمد الطوخي كلامها فهي عجوز مسنة في ال60 من عمرها لا تكاد ملامحها تظهر بسبب تلك التجاعيد التي تكسو وجهها آثار الزمن والفقر والمرض أزمتها ورسمت علي وجهها عبارات تطلب الرحمة وبأمثالها ممن لا مأوي لهم سوي هذه العشوائيات التي تقصف العمر وبدلا من أن تستريح في آخر حياتها وجدت نفسها تعيش في حجرة لا تصلح لحياة أي إنسان. يحيي فوزي محمد أحد السكان يعاني الفقر والمرض وسوء الأحوال داخل العشوائيات حيث يقول انه يعيش وأسرته المكونة من طفلين ووالدتهما داخل غرفة بحمام مشترك موضحا أنهم مخنوقين في هذه الحجرة خاصة بعد أن أصابتهم الأمراض وبات الفقر يأكل في أجسادهم ولا أحد يسأل ورغم الوعود الكثيرة بنقلهم من هذا المكان غير الآدمي إلا أنه لم ينفذ منها شيء حتي الآن. في إحدي الحجرات الصغيرة تعيش أسرة صفية عبدالرسول عبدالله المكونة من8 أفراد وتقول أن زوجها مريض وأنها مصابة بالضغط والسكر و5 أبناء منهم بنتان في سن الزواج و3 شباب يبحثون عن عمل لاعالة الأسرة. وتساءلت أين الحكومة مما نحن فيه فالأسعار نار ودخولهم لا تكفي للعلاج ولا للطعام كما أنهم ليس لديهم تأمين صحي وحتي الطعام أصبحوا غير قادرين علي شرائه ولا يعرفون ماذا يفعلون وكيف يعيشون. جليلة سامي أم ل4 أطفال تعيش هي وزوجها وأطفالها في حجرة مساحتها متر في مترين عبارة عن حجرات فوق بعضها حيث لا يوجد بالحجرة سوي سرير واحد يتكدس عليه جميع أفراد الأسرة. وتضيف ان حياتهم كلها معاناة فزوجها ترك عمله بسبب المرض الذي أصابه وأحيانا يأكلون مرة واحدة في اليوم وباقي اليوم تصبر أولادها علي الجوع فاللحمة لايتذوقونها إلا في المناسبات إذا قدمها لهم أهل الخير. ويتساءل بلال عبدالسلام قائلا هل ينتظر المسئولون حدوث كارثة لكي يتحركوا وينتبهوا إلينا فنحن بشر ونريد حياة كريمة لنا ولأولادنا لكننا تعبنا من كثرة الشكاوي كأننا لسنا بني آدمين أغيثونا قبل فوات الأوان. لو تعثرت دابة في العراق لسأل عنها عمر هكذا بدأ وائل نبيل حسين أحد سكان المنطقة كلامه حيث يقول أنه يعيش داخل حجرة مبنية بالخشب لكن الأخطر من كل ذلك أننا فوجئنا انها غرفة الكهرباء الخاصة بالمنطقة حيث يقطن فيها هو وزوجته بعد إنهيار منزلهما في منطقة الدويقة وسألناه هل ضاق الحال لكي تضحي بأسرتك في مثل هذا المكان أفادنا بأنه يئس من طرق جميع أبواب المسئولين لتوفير مسكن ملائم له لكن دون جدوي فأضطر الي العيش داخل هذه الغرفة. بين أناس يعيشون علي الحرير وأناس لم يجدوا حتي الحصير في حجرات لا تعرف الآدمية يعيش الحاج محمد عبدالقادر أحمد داخل حجرة أشبه بعشش الطيور والمجاري تحيطه من كل جانب ورائحتها تطل عليه ليل نهار بنبرات حزينة ودموع تنهمر يحكي الحاج محمد تجربته المريرة حيث يقول انه يعاني من مرض القلب وضيق في التنفس ويحتاج علاجا كل أسبوعين تصل تكلفته الي175 جنيها. ويضيف أنه كان يعيش في منزل كبير لكنه فوجيء بلجنة الحصر من المحافظة تبلغه بضرورة إخلاء المنزل لتنفيذ طلب الإزالة موضحا أن مالكة المنزل طلبت منه كتابة إيصال أمانة ب20 ألف جنيه لكنه رفض ثم فوجيء عند مجيء اللجنة بحذف اسمه من كشوف الحصر وقاموا بهدم البيت الأمر الذي دفعه الي تقديم شكاوي كثيرة لرئيس الحي لكن لا حياة لمن تنادي. ويوضح أنه أضطر لبناء غرفة بجانب المنزل إلا أنه فوجيء بطفح المجاري من حوله ممايزيد من أعبائه ومرضه لأن هذا الوضع ليس صحيا بالمرة ولايستطيع النوم مطلقا خاصة وأنه قد تجاوز ال60 من عمره ويطالب بتوفير مسكن مناسب له يستطيع العيش فيه. تحقيق رحاب عبدالمنعم تصوير: أحمد عبدالرازق