من أهم صفات هذا الشعب المصري الأصالة وعدم الانفصال عن جذوره.. وانه يستمد تلك الصفات التواصل من نهر النيل نفسه.. ذلك النهر الذي قدسه الجدود الفراعنة والتي قالت عنه كتب التراث انه ينبع من الجنة. ولأن هذا الشعب أصيل.. ولأنه لايموت ولايفسد وإنما تظل فيه الروح حية تحت الرماد مهما طال عليها الزمن الرديء. لكي يستيقظ الجسد فجأة معلنا عن ثورة. ** * استيقظ الجسد اذن يوم25 يناير, وانتفض واغتسل وصمم ولأنه شعب فنان.. عاشق للفن منذ الهارب الفرعوني ومرورا بالربابة والنادي ووصولا إلي الموسيقي العصرية لذلك نراه لاينسي الفن والغناء كقوة دافعة تشحنه في ساعات التحول والانتفاض كما حدث أخيرا في ميدان التحرير.. ثلاثون عاما مرت علي مصر لم تغن فيها سوي الأغاني الاستهلاكية التافهة وأغاني التغيب.. تلك الأغاني التي اعتمدت علي كلمات مكررة وألحان مسروقة وأصوات هزيلة.. هذه الأغاني التي تهدم ولاتبني.. وتشيع الأنانية والسلبية وكل الصفات السيئة.. ربما كان الشيء الايجابي الوحيد فيها هو أنها ملأت جيوب مغنيها بالمال وصنعت منهم نجوما لهذا الزمن الرديء. حين قامت الثورة لم يجد الشباب الثائر في تلك الأغاني المهزومة شيئا يصلح لملء الوجدان وشحن النفوس فلجأوا عن وعي إلي الأغاني ذات المعني.. الأغاني التي تشحن.. وتبني. وتملأ النفوس بالحرارة والعواطف.. لجأوا إلي سيد درويش وعبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ والشيخ إمام.. حيث الكلمات لها معني. والألحان عميقة ومؤثرة.. وليست ألحانا تركية أو لاتينية من تلك المسروقة من الدول الأخري فقد حرص المغنون والملحنون طوال ثلاثين عاما علي سرقة الالحان الجاهزة من تلك الدول ثم يركب عليها أي كلام.. ولذلك لاتصمد ولاتصلح لعبور السنين بينما ألحان وكلمات الأغاني القديمة أمكن لها أن تعبر من ثورة23 يوليو1952 إلي ثورة25 يناير2011 أكثر من خمسين عاما. لقد استمعنا في الثورة الأخيرة إلي أغاني عبدالوهاب: دعاء الشرق و فلسطين و نشيد الجهاد وحرية.. حرية كما استمعنا إلي أم كلثوم في مصر تتحدث عن نفسها و أنا الشعب أنا الشعب وعبدالحليم في صورة صورة.. التي بدت كما لو أنها كتبت اليوم لتعبر عما يحدث في ميدان التحرير. ** *كان الناس يظنون أن شباب مصر اليوم.. شباب لاه.. شباب تيك أواي لايعرف هؤلاء المغنون العظام ولا ألحانهم القديمة..لكن الناس فوجئوا بأنه شباب أكثر وعيا.. شباب يحتفظ في ذاكرته التي كونها بنفسه وبجهده بتلك الأعمال العظيمة ثم استخرجها ساعة الجد ليقول للجميع: ها أنا أصيل. وواع وقادر علي افراز الغث من السمين. ** * طالما نحن نتحدث في مسألة الأغاني الشبابية وغير الشبابية كما يسمونها لايمكننا أن ننكر أصواتا قوية وواعية أمكنها أن تفلت من هذا الفاشوش مثل محمد منير وعلي الحجار ذلك أنهما كانا يستعينان بأشعار المثقفين أمثال سيد حجاب وأحمد فؤاد نجم.. علاوة علي أصواتهما القوية.. هؤلاءالذين نتمني علي أيديهم عودة الروح للأغنية المصرية. حمي الله مصر وجعلها قوية علي الدوام [email protected]