أكد المشاركون فى المؤتمر السابع والعشرين للجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والتشريع والاحصاء أن الاستخدام التنافسى للمعرفى أساس فى بناء استراتيجية التحديث، وأنه من الضرورى تضافر الجهود لتحديد الدور المنوط بالدولة نحو تبنى استراتيجية لتحديث الاقتصاد. وأشار المؤتمر الذى جاء بعنوان "رؤية إستراتيجية لتحديث مصر من منظور اقتصادى وقانوني"، إلى أن السبيل الأمثل للخروج من الحالة السيئة التى يمر بها الاقتصاد هو دراسة تجارب الدول التى سبقتنا فى هذا المجال خاصة البريكس، مشددين على ضرورة تعزيز الاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة، لقدرتها على المساهمة فى تحقيق نهضة حقيقية. وطالب خبراء الاقتصاد والقانون، من حضور المؤتمر، الذى عقد الأربعاء والخميس الماضيين برعاية مؤسسة دار المعارف، بضرورة الإسراع فى جهود تحديث الكثير من التشريعات وتعديلها لتتلاءم مع المتغيرات والمستجدات الحديثة، ووضع التشريعات الكفيلة بتحديث مصر، وإبراز أهمية تحقيق المصلحة القومية ومقاومة التهميش والدخول فى شبكة علاقات دولية فى كافة المجالات. أكد د. فياض عبدالمنعم، وزير المالية ورئيس المؤتمر، أن الفرصة سانحة الآن أكثر من أى وقت مضى لصعود مصر نحو مرتبة أكثر ارتفاعا فى مؤشرات التنمية، والإسهام بنصيب أعلى من الناتج العالمى مع تراجع إسهام عدد من الدول العظمى لصالح حديثة النمو. وقال د. عبدالمنعم، فى الكلمة التى ألقاها نيابة عنه الدكتور محمد سرور، مستشار وزير المالية للسياسات الضريبة، إنه من ينبغى على الحكومة المصرية أن تركز على تحديد أكثر الآليات والأدوات الاقتصادية فعالية وكفاءة لتحقيق الأهداف المنشودة، وأنه يأتى على رأس هذه الآليات استخدام أدوات الاقتصاد المبنى على المعرفة بمكوناته المرتبطة بالتعليم والبنية التحتية التكنولوجية والإدارة الرشيدة. وأضاف أن الاقتصاد المبنى على المعرفة هو الذى يقوم على استغلال المعرفة فى تحقيق الثروة وتوزيعها بصورة أكثر عدالة، وأن الحكومة تسعى لاستغلال مكونات معرفية كثيرة لتحقيق التنمية، وذلك عبر إصلاحات فى جوانب إنتاج الثروة وتوزيعها، وذلك لتحقيق النمو المتوازن جغرافيا بفعل انتشار المشروعات الصغيرة والمتوسطة التى يتطلب انتشارها الفعال شفافية وآنية فى المعلومات حول فرص التنمية. وأشار وزير المالية إلى أن الحكومة تسعى إلى إدراك النمو العادل لموارد الدولة من خلال توزيع الإنفاق العام وفق الاحتياجات وهو ما يتطلب ربطاً معرفيا حول احتياجات وإيرادات ومصروفات كل قرية، علاوة على تطوير مؤسسات الدولة لتكون قادرة على التعامل بشكل أكثر فاعلة مع عملية التنمية التى تشهدها مصر من خلال التركيز على التنافسية والجودة. وأوضح أن الحكومة تتحرك أيضا لإعادة النظر فى خريطة الاستثمار الأجنبى المباشر، لأنه لم يعد الاستثمار الأجنبى ينظر إليه كتدفقات نقدية وافدة فقط، بل يأتى الكيف على رأس قائمة اهتمامات الحكومة، بحيث تسعى الحكومة نحو استثمارات تناسب الطبيعة المصرية بأن تكون أكثر نقلا للمعرفة وتوطينا لآليات الابتكار الصناعى والزراعى والخدمي، والعمل على تنشيط أسواق التصدير لمنتجات الصناعات المعرفية من خلال قاعدة قوية تتمثل فى وجود أسواق محلية نشطة لهذه المنتجات. ومن جانبه أكد الدكتور مصطفى السعيد، وزير الاقتصاد الأسبق ونائب رئيس المؤتمر، أن التحديات التى تواجه الاقتصاد المصرى فى الوقت الراهن لا يمكن التقليل من خطورتها, ولا يمكن التغلب عليها، إلا من خلال الدراسات العلمية والحوار الموضوعى للتعرف على مصادر هذه التحديات وأسبابها والبدائل المختلفة للتغلب عليها وأسس المفاضلة بين هذه البدائل. وقال د. السعيد إن قضية التحديث وما تتطلبه من اهتمام بقضايا التنمية البشرية وقضايا الاستخدام التنافسى للمعرفة يحتل مكان الصدارة إذا أردنا التغلب على هذه التحديات والانطلاق بالاقتصاد المصرى إلى ما تسعى إليه الجميع من تنمية وعدالة. وأضاف أنه من هذا المنطلق كان قرار مجلس إدارة الجمعية بتخصيص مؤتمر هذا العام لبحث هذه القضية الهامة قضية التحديث،التى تتطلب دراسة العديد من الموضوعات، وتحتاج إلى اتباع أساليب متقدمة لتحليل الواقع والتعرف على مختلف النظريات، التى تضع الحلول لتطوير هذا الواقع ليتفق مع مقتضيات التحديث. الاستقرار السياسى وأكد الدكتور رابح رتيب، نائب رئيس جامعة بنى سويف، على أهمية الاهتمام بالمصريين بالخارج، والتعرف على مشاكلهم وحلها، والعمل على جذب مدخراتهم للمساهمة فى النمو الاقتصادي، مطالبا بضرورة عودة وزارة الهجرة والعمل على رعاية المصريين بالخارج، للاستفادة منهم، فهم يمثلون قوة اقتصادية قادرة على المساهمة فى عملية التنمية الاقتصادية من خلال استثماراتهم وتحويلاتهم للداخل. وأوضح أن وزارة الهجرة لكى تكون فعالة ولها تأثير وتأتى بثمارها لابد من وجود لائحة محكمة خاصة بها، وتعمل على مساعدة المصريين الراغبين فى السفر للخارج، ورعايتهم بشكل كامل، وتثبت أقدامها فى كل بلدان العالم، موضحا أن هذه الوزارة يجب أن تؤمن بأهمية الدور الحيوى والهام هذه الوزارة وللعاملين بالخارج حتى تعمق مبدأ الولاء والانتماء الوطني، وللمساهمة بدور فى النمو الاقتصادي. رؤية استراتيجية وأوضح كمال محجوب، رئيس مجلس إدارة دار المعارف مقرر عام المؤتمر، أن هذا المؤتمر العلمى يحمل دلالات عديدة كونه رسالة لكل المصريين مفادها أن رجال الاقتصاد قادرون على إصلاح ما أفسده رجال السياسة، وأنه يجتهد للوصول إلى رؤية استراتيجية قابلة للتطبيق على أرض الواقع لتحديث الاقتصاد، ليتمكن من الخروج من الكبوة التى يمر بها مؤخرا. وأشار إلى أن المؤتمر يأتى انطلاقا من الخوف والشعور بأهمية ودقة الظروف الراهنة، وإيماناً بوجود السبل للخروج الآمن لاقتصادنا من حصار الفقر والتخلف، وبالتزامن مع تلك المرحلة الدقيقة التى يمر بها الاقتصاد المصرى حالياً وبعد ثورة يناير حيث تعلو الطموحات المتولدة من التغيرات السياسية، التى صاحبت الثورة. وقال محجوب إن تحقيق هذه الطموحات المشروعة لا يأتى فقط بمجرد التمني، ولكن لا بد من إعمال قيم العلم والعمل والعدل والأمل حتى يتثنى لنا النهوض وتحقيق آمال وأحلام الطبقات العريضة من الكادحين والفقراء وتوظيف طاقات مصر الخلاقة، وضبط مستويات الأسعار وتبنى الدولة لمبادئ الاقتصاد الحر واقتصاد السوق المهذب المراقب من قبل إدارة قوية حازمة قادرة على ضبط الإيقاع بصورة تضمن الشفافية والإفصاح والرقابة والمتابعة. وشدد على ضرورة إرساء قواعد الحوكمة بصورة معلنه تطبق على الجميع ، مع آلية للتعامل مع الخارجين فى ظل إدارة اقتصادية قوية لها وجودها وقدرتها على تنفيذ قراراتها بشجاعة وقوة دون التأثر والتردد الذى يضر فى النهاية بمصالح الجميع، مع ضرورة الارتقاء بعلاقاتنا الاقتصادية الإقليمية والدولية للحد الذى تستحقه دولة كمصر. اقتصاديات السوق وأكد الدكتور علاء رزق، أستاذ الاستراتيجية بأكاديمية الشرطة وأكاديمية ناصر مقرر المؤتمر، أن عملية إنقاذ الاقتصاد عملية صعبة، لأنها تتطلب هدم عالم قائم على الفساد والانحراف ومرتكز على التهرب إلى بناء عالم جديد مبنى على القواعد الصحيحة لاقتصاديات السوق، التى تضمن تحقيق التنمية المستدامة، مع اليقين أن للدولة مسئوليات اقتصادية مباشرة لضبط الأسواق والمعاملات. وأشار إلى أن استشراف مستقبل مصر فى المرحلة المقبلة لا يمثل رفاهية فكرية بقدر ما هو ضرورة حتمية لمواجهة التحديات والتهديدات الحالية والمستقبلية، التى لا تراعى عمق الأمن الاستراتيجى لمصر، وأنه لهذه الأسباب الداخلية والخارجية أصبح أمر تحديث الاقتصاد ضرورة لابد من الأخذ بها ليشمل كافة مكونات الاقتصاد، ولتحقيق ذلك فإن الأمر يتطلب وجود رؤية مستقبلية واضحة. وأوضح د. رزق أن تحديث مصر يحتاج إلى قاعدة صلبة من الإمكانيات المتاحة، واستراتيجية لتحقيق أقصى استفادة منها عبر دراسة تجارب الدول السابقة، التى حققت قفزات اقتصادية هائلة، مؤكدا أن المؤتمر يعمل على الوصول إلى استراتيجية للتحديث من المنظور الاقتصادى والقانونى تضمن خطة عمل وملامح واضحة لطريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لكى يكون بمثابة دستور اقتصادى يوافق عليه المجتمع، وينبثق منه مستقبل أفضل. وخلص إلى أن هذا الدستور الاقتصادى يرتكز على تحديث العنصر البشرى بالارتقاء بنظام التعليم والتدريب والصحة وتحديث قطاع المنشآت الصغيرة والمتناهية الصغر مع ضرورة الإصلاح السياسى والتغيير المنشود لدور الدولة والعمل على تحقيق المواطنة والانتماء والدخول فى شبكة من العلاقات الإقليمية والدولية لتحقيق المصلحة القومية، والعمل على الاستفادة من استقدام الاستثمار الأجنبي، مع مراعاة عمق الأمن القومى الاستراتيجى المصري. وبدوره كشف الدكتور صديق عفيفي، رئيس مجلس أمناء جامعة النهضة، أن عقد هذا المؤتمر يأتى فى وقت ملح للغاية، حيث يمر الاقتصاد بحالة استثنائية، ويحتاج إلى تضافر الجهود للاتفاق على صيغة توافقية يتم من خلالها مواجهة التحديات التى يعانى منها الاقتصاد الذى يأتى على رأسها العجز المزمن فى الموازنة، نتيجة تراجع الايرادات العامة فى مواجهة زيادة النفقات. التنافسية وكشف الدكتور أبو هنطش عبدالمجيد، الخبير الاقتصادى واستشارى الدراسات الاقتصادية، أن الاقتصاد المصرى يعانى تأخرا فى العديد من المؤشرات المتعلقة بالنمو الاقتصادى والاستثمار والتنافسية على المستوى العالمي، مما أدى إلى تأخره عن اللحاق بركب الاقتصاديات الصناعية المتقدمة، وبعض الاقتصاديات الناهضة التى انتقلت إلى مرحلة التنمية المتقدمة. ونبه إلى أنه مع تزايد العولمة الاقتصادية بما تعنيه من تحرير المبادلات الدولية تزداد أهمية الوقوف على الآثار الاقتصادية لكل من الاستثمار سواء المحلى أو الأجنبي، والوضع التنافسى للاقتصاد، والنمو الاقتصادى والناتج الصناعى على مسيرة وأداء الاقتصاد المصري، وأن الوقوف على هذه الآثار مطلب ملح لوضع استراتيجية بعيدة المدى لتحديث الاقتصاد الوطنى. الإصلاح النقدى أوصى الدكتور عبد الناصر حسبو السيد، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي، الحكومة بضرورة العمل على وضع إطار من السياسات الملائمة فى الاقتصاد القومى من خلال الاصلاحات المالى والنقدية للحد من عجز الموازنة العامة والتضخم والبطالة، والعمل على اعادة توزيع الدخل وجعلها فى صالح الفقراء والشرائح أصحاب الدخول الضعيفة من خلال الأدوات الاقتصادية مثل الضرائب والانفاق الحكومى والاستثمار. وأشار إلى أن ادراك العدالة الاجتماعية يستوجب وضع الاستراتيجيات اللازمة لمحاربة الفقر من خلال رفع معدلات النمو الاقتصادى وخفض معدلات التضخم، وتنمية العنصر البشرى وما يرتبط به من تطوير التعليم والتدريب ومحو الأمية، وكذلك الاهتمام بالدور الذى يمكن أن تقوم به شبكات التضامن الاجتماعى التى تتمثل فى صندوق التأمين الاجتماعى والجمعيات الأهلية. 4 مرتكزات وكشف الدكتور جابر محمد عبدالجواد، أستاذ الاقتصاد بجامعة حلوان، أن بناء اقتصاد المعرفة فى مصر يجب أن يقوم على 4 مرتكزات، هى الحوافز الاقتصادية والنظام المؤسسي، والبحوث والتطوير ونظام الابداع أو الابتكار، والتعليم والموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وقال د. عبدالجواد إن مصر احتلت المركز ال11 بين 15 دولة عربية شملها دليل اقتصاد المعرفة للبنك الدولي، وأن مجالها لتحسين تنافسيتها هو البحوث والتطوير والابتكار، والتعليم والتدريب من خلال الجامعات والمشاركة المجتمعية للارتقاء بالموارد البشرية المتاحة. حسابات الجمع والطرح أما الدكتور أشرف كمال عباس، أستاذ الاقتصاد الزراعى بمركز البحوث الزراعية، فأوضح أن مصر تمر الآن بمرحلة حرجة تحتاج إلى ترتيب الأولويات، واعطاء القطاع الزراعى الأولوية اللائقة، وأن تطبيق سياسات الاصلاح الزراعى لم تؤت الثمار المرجوة منها، لأنه لم يتم إجراء اصلاح مؤسسى مواز يواكب السياسات التى تم تطبيقها، بحيث ترك المزارع بدون آليات تعمل على دعمه مما فرغ الإصلاح من مضمونه. وأشار إلى أن الاقتصاد السياسى للزراعة كان الجزء المسكوت عنه فى القضية، وأنه إذا قلنا إنه فى فترة التدخل الحكومى كانت هناك تحويلات من المزارعين إلى المستهلكين فإن التحويلات الآن أشد، لكنه ليست لصالح المنتجين أو المستهلكين بل تجريف لصالح الأنشطة الريعية التى تضخمت على حساب قطاعات الانتاج. وشدد د. كمال عباس على أن تنمية القطاع الصناعى لا يمكن أن تخضع لحسابات الجمع والطرح بمقارنة العوائد المتوقعة من الوحدة المستخدمة من القطاعات الأخرى سواء كانت صناعية أو سياحية أو غيرها، وأن الأمر يستلزم الاحلال محل الواردات سواء فى الصناعة أو الزراعة، وأن الجدوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية لتنمية القطاع الزراعى هى أكثر أهمية من الاكتفاء بالجدوى المالية.