يظل التاريخ المصري الضارب في أعماق الحضارة خير شاهد علي أن مصر ستظل أقوي من خطب النوازل,وأشد من كل العواصف,وأنه كلما تعرض الشعب للشدائد ازداد تماسكا وصلابة,واجتاز الصعاب بصبر وجلد وعزيمة وقوة شكيمة. وعبر آلاف السنين مرت علي مصر الكثير من المحن والنكبات والفتن وخرج منها الشعب منتصرا علي عدوه,محطما تابوهات الباطل الجانح,قاهرا قوي الظلم,وجسدت ملاحم هذا الشعب الأبي أبرع البطولات,وأروع القصص المليئة بأنبل معاني نصرة الحق,والصمود في وجه محاور الشر والعدوان,رافعة لرايات الحق والخير في سماء الحرية لأبناء النيل. فرغم أن محنا عصيبة,ومصائب فاجعة قد ألمت بمصر عبر العصور المختلفة لعل من أبرزها نهاية الإمبراطورية المصرية في آسيا إبان حقبة أخناتون,وتداول السلطة فيها بين الدول كالرومان والفرس,وحملات الصليبيين والتتار لاحتلالها,وحكم المماليك,ونجاح الأتراك والفرنسيين والانجليز باحتلالها واستنزاف خيراتها,وقيام أسرة محمد علي,ثم العدوان الثلاثي,ونكسة يونيو1967, غير أن مصر حررت نفسها بنفسها. لقد عاني الشعب كثيرا,وواجه مشكلات عظاما,وتعرض لما لم يتعرض لمثله شعب آخر,فكانت ومازالت مصر مطمعا لاستغلال ثرواتها ونهب خيراتها, فانقضت عليها دول وجماعات وتكتلات وقوي داخلية وخارجية حتي تتدهور أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية, وتصبح لقمة سائغة للآخرين ولكن هيهات هيهات. في عصرنا الحديث ومنذ خمسينيات القرن المنقضي تعرض بلدنا للعدوان الثلاثي في1956 لحرب شنتها كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيلإثر قيام جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس حتي لا يكون خيرنا لغيرنا,فأغار العدوان وسجلت المقاومة الشعبية في بورسعيد أروع بطولات الصمود والتصدي,بعمليات باسلة للدفاع عن الأرض بمهاجمة المعسكرات والمقرات البريطانية وعمليات الكمائن بالقنابل اليدوية لدورياتهم الراكبة والسايرة في المدينة,ودارت رحي المقاومة من فوق الأسطح ومن بيت لبيت,وفي الشوارع والميادين حتي انقشع العدوان وعاد أدراجه يجر أذيال الخزي والعار,وخلال هذه المعركة عاني الشعب تقشفا وصل لمرحلة عدم وجود ما يسد به جوع الأطفال والرضع,ورمق الكبار من الرجال والنساء غير انه رفض التركيع وأبي السجود لغير الله وتحمل وانتصر,ثم جاءت هزيمة67 التي كان مخططا لها من جانب أمريكا وإسرائيل لإسقاط النظام وإعادة رسم خريطة المنطقة وتدمير الجيش المصري..أفاق الشعب من صدمته سريعا ودخل في مرحلة عنيفة من التقشف والإصرار علي رد الاعتبار,وكانت حرب الاستنزاف بارقة أمل تشير إلي وضوح الطريق وعمق الرؤية حتي كان موعدنا مع يوم الكرامة والنصر الحاسم في أكتوبر73 والذي أثبت قدرة الشعب والجندي المصري علي تحرير الأرض وصنع المعجزات بإرادة فولاذية,بعدما تحمل الكثير من الظروف الاقتصادية الصعبة,وشد الحزام حتي كاد يتمزق ولكنه صابر وقاوم بجلد وشيم ليقينه أن بلده في حالة مخاض للخروج من عنق الزجاجة التي أحكمتها القوي الخارجية لجعله يدور في فلكها ضعيفا محتاجا,وإنهاكه حتي لا يجد وقتا لإعادة بناء ثقته في نفسه وجيشه..لم يتوان أعداء الوطن عن ضرب مصر في مقتل وهو ما نعيشه الآن- ليس عن طريق الحروب والمواجهات العلنية فقد تأكد للجميع حجم وقوة وشكيمة الجندي المصري,ولكن عن طريق اشعال الفتن وصناعة المؤامرات وافتعال الأزمات ونصب الشرك وتأجيج الصراعات لإضعاف الدولة اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا. رغم كل ما يعانيه الشعب من أزمات فهو صابر علي الظروف,فاطن جيدا ومدرك تماما لما يحاك للبلد,ولما يريد أن يجره إليه أعداء الوطن,واثق بأن الانفراجة بات وقتها قريبا,وأزعم أنه بعبقريته المدهشة وخفة دمه التي تهون عليه شظف المعيشة يخرج لسانه لأعداء الوطن قائلا ياما دقت علي الراس طبول.