يظل فندق كتراكت القديم واحدا من أهم وأعرق الفنادق التاريخية ليس علي مستوي مصر فقط وإنما علي مستوي العالم كله.. فكل شيء داخل هذا الفندق يكاد أن ينطق بما شهده من أحداث طوال عمره الممتد إلي نحو128 عاما. كتراكت أو أولد كتراكت ليس فندقا عاديا ولكنه فندق له عبقه وتاريخه العريق الذي جعله قبلة للمشاهير من رؤساء وملوك وساسةوفنانين عالميينوأيضا لأغني أغنياء العالم, ففي تراسه الشهير تجلس وأمامك النيلوكأنك في عالم آخر غير الذي نعيشه.. فيه تسترجع ذكريات ارتبطت بها أسوان بالتاريخ القديم والحديث.. فهو الذي شهد خطوة من أهم خطوات عملية السلام بعد انتصار أكتوبر العظيم, وهو الذي شهد أيضا اجتماع انطلاق دعوة إحياء مكتبة الإسكندرية في عام1990, وهو الذي كان رؤساء مصر وزعماؤها يحرصون علي الإقامة فيه في بعض الأحيان بداية من الرئيس جمال عبد الناصر ومرورا بالزعيم الراحل أنور السادات وأخيرا حسني مبارك. عن الوصف.. فالفندق لا يمكن وصفه, وعن تراسهوشاي العصاري لا يمكن لقلم أن يرصد مشهد غروب الشمس والنيل ينساب في سلاسة بين الصخور الجرانيتية السوداءالقاتمة وأمامه مقياس النيل الفرعوني وجزيرة ألفنتين بجمالها وعراقتها وأصالتها.. وفي قاعته الشهيرة1902 تنتعش الذاكرة بما شهدته القاعة من أحداث عبر مائة وأربعة عشرة عاما.. إنه كتراكت الذي إن لم تزره فكأنك لم تزر أسوان علي الإطلاق. يقول المؤرخ الأسواني محسن بلال إن كتراكت هو قطعة من التاريخ الحي المختلط بعبق الأساطير وسحر الحضارة الفرعونية وهو ما يتلمسه كل زائر بوضوح بين جدرانه وقاعاته, حيث استوحي اسمه من عناق مياه النيل بالصخور فيما يعرف بالشلال أو الكتراكت, وحسب روايته فإن التفكير في إنشائه بدأ في عام1899 مع امتداد خطوط السكة الحديد إلي أسوان, حيث زاد الإقبال السياحي علي المدينة الساحرة وقتها لزيارة معالمها والتمتع بطقسها الشتوي المشمس. وبالفعل تم بناء الفندقعليالطراز المعماري الإنجليزي المعروف بالفيكتوري والمثير أنه مقام علي كتلة صخرية هائلة تتيح لنزلائه التمتع برؤية النيل في رحلته من الجنوب إلي الشمال, وحسب رصد بلال ففي جريدة الجازيت المصرية وتحديدا في أحد أيام شهر ديسمبر من عام1899 تم الإعلان عن مزايا الفندق التاريخي الذي كان يستوعب في بداياته60 نزيلا, وبعدها بعامين اضطرت إدارة الفندق لإقامة خيام للنزلاء من شدة الإقبال ليتم بعد ذلك التوسع في إضافة غرف جديدة لاستيعاب القادمين بعد أن فاقت شهرته أشهر فنادق العالم. ويتحدث عبد الناصر صابر الخبير السياحي الأسواني قائلا: الجلوس ولو للحظة فيه تنسيك هموم الدنيا, ويضيف: أنا حريص كل الحرص علي توثيق المحطات المهمة في تاريخ الفندق, فحفل افتتاح المطعم الرئيسي الشهير في10 ديسمبر من عام1902 حضره كل من الخديو عباس حلمي والدوق كونوت ابن الملكة فيكتوريا واللورد وليدي كرومر والسير ونستون تشرشل وجود إيرد الذي استغل الفرصة ليرسي حجر أساس خزان أسوان وقتها, وتابع هناك عشرات المشاهير والرؤساء كانوا يحرصون علي قضاء ولو جزء من فصل الشتاء في ضيافة كتراكت ومنهم أغاخان الثالث الذي كان يعالج من الروماتيزم, وكانت أولي زياراته للفندق في عام1937 حيث قضي شهر العسل في الجناح الخاص في الدور الثاني, وعقب وفاته عام1957 طلب أن يدفن في أسوان ويمكن لأي زائر أن يري مقبرته الشهيرة بالبر الغربي من الفندق. ويواصل الخبير السياحي قائلا: من زوار الفندق أيضا كان القيصر الروسي( نيكولاي الثاني), وعالم الآثار الإنجليزي هاورد كارترالذي اكتشف مقبرة توت عنخ آمون, والملك فاروق ملك مصر والرئيس الفرنسي الراحل فرانسواميتران والملك محمد الخامس ملك المغربوالأميرة ديانا سبنسر والكاتبة الشهيرة أجاثا كريستي التي أذهلت العالم بقصتها( جريمة علي ضفاف النيل) مستوحية أحداثها من شرفتها المطلة علي النهر, أما قاعة1902 المستوحي طرازها من الزخارف العثمانية والعربية فهي حدوتة في حد ذاتها ولابد للدولة أن تستفيد منها باستضافة مؤتمراتها المهمة التي سيكون لها الشرف أن تعقد فيها. أما الخبير السياحي ناصر عبد الكريم فيقول إن فندق كتراكت ذو خصوصية خاصة, فالجناح الملكي لا يضاهيه أي جناح فندقي في العالم ونزلاؤه هم أغني أغنياء العالم, ولما لا وهو الذي شهد محطات تاريخية تجسد معاني كثيرة بداية من هروب العائلات الإنجليزية من القاهرة في الحرب العالمية الثانية مع اقتراب روميل من العلمين ومرورا بمراحل بناء السد العالي ثم مباحثات السلام في يناير1977 والتي شهدت جولات مكوكية لوزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر وأخيرا اجتماع دعوة إحياء مكتبة الإسكندرية بحضور زعماء العالم بقاعة1902, بالإضافة إلي الأفلام السينمائية التي صورت داخله ومن أشهرها انت حبيبي لشادية وفريد الأطرش والناس والنيل ليوسف شاهين وأرض الأحلام لعماد حمدي ومديحة يسري وفريد شوقي والحقيقة العارية لماجدة وزوجها إيهاب نافع وأخيرا المسلسل الشهير جراند أوتيل. هذه العراقة والأصالة وما يحيط الفندق من مناظر طبيعية خلابة ومحميات طبيعية رائعة وآثار قديمة من مختلف العصور تزيد من حسرة أهل أسوان علي ما يمتلكونه من مزايا سياحية قد لا تتوافر في العديد من دول العالم ولكن للأسف فإن الترويج لها من هذه الزاوية لم يأخذ حقه من الاهتمام.. فهل تعود الحياة للسياحة في أسوان ونحن مقبلون علي الموسم الشتوي ويعود معها قلب كتراكت لينبض مرة أخري!