أعلم جيدا كاقتصادية أن مصطلح المسئولية المجتمعية هو مصطلح يرتبط بالشركات والمؤسسات الخاصة, ومن الغريب أن يتم ربطه بمؤسسة القوات المسلحة, إلا أنني أردت أن ألصقه بتلك المؤسسة العريقة كنوع من الاعتراف بدورها المجتمعي الذي لا يخفي إلا علي متعمدي فقد البصر والبصيرة. فالمسئولية المجتمعية هي التزام تطوعي للشركات يتم من خلاله إدراج البعد أو الأثر الاجتماعي والبيئي في أعمالها, فتأخذ المسئولية المجتمعية الطابع الطوعي, ومع تقلص دور القطاع العام, في التنمية الاقتصادية والمجتمعية, أصبح للقطاع الخاص دور هام في المشاركة الجادة لإحداث التنمية. وقد أيدت تعزيز البعدين الاجتماعي والبيئي للمؤسسات العديد من المبادرات العالمية, كالاتفاق العالمي للأمم المتحدة, وعرفها البنك الدولي بأنها التزام أصحاب النشاطات التجارية بالمساهمة في التنمية المستدامة, من خلال العمل مع موظفيهم وعائلاتهم, والمجتمع المحلي والمجتمع ككل. أما منظمة العمل الدولية, فتعرف المسئولية المجتمعية للمؤسسات بأنها المبادرات الطوعية, التي تقوم بها المؤسسات, علاوة علي ما عليها من التزامات قانونية. فلم يعد تقييم مؤسسات القطاع الخاص يعتمد علي ربحيتها فحسب, بل في قدرتها علي الإسهام في عملية تنمية المجتمع وتحقيق المزيد من الازدهار لأبناء المجتمعات العاملة فيها. ومن خلال تلك المبادئ المتفق عليها بشأن المسئولية المجتمعية للمؤسسات, يظهر جليا الدور المجتمعي الذي يلعبه الذراع الاقتصادية للقوات المسلحة, من خلال جهاز مشروعات الخدمة الوطنية. فهذا الجهاز يستهدف عمله الرئيسي تحقيق الاكتفاء الذاتي لإحتياجات القوات المسلحة, وذلك تخفيفا للأعباء عن كاهل الدولة, وبالإضافة إلي عمله الرئيسي فإنه يطرح فائض الطاقات الإنتاجية بالسوق المحلية, ولم يكتف بذلك بل لم يدخر جهدا في سبيل المعاونة علي إنجاز مشروعات التنمية الاقتصادية بصفة عامة والمشروعات القومية بصفة خاصة. هذا الجهاز يمتلك قاعدة صناعية إنتاجية متطورة يستثمرها في التعاون مع أجهزة الدولة والقطاع المدني في إقامة البنية التحتية والمشروعات الاقتصادية المختلفة في كافة محافظات مصر, وذلك بما يساعد علي التنمية ويجذب الاستثمارات ويوفر فرص العمل والتدريب والتأهيل لكافة المجالات. وإيمانا من القوات المسلحة المصرية بمسئوليتها نحو حماية الأراضي المصرية, وكل ما يهدد الأمن القومي, فلا تستعجب عندما تري مؤسساتها تبادر بتذليل العقبات التي قد تهدد كيان المجتمع المصري, بالإضافة إلي تدخلها لكسر العديد من الاحتكارات التي تؤثر بصورة مباشرة علي المواطن, ومن ثم تضر بالأمن القومي المصري, والأمثلة علي ذلك عديدة, يمكن أن نذكر منها المساهمة في توفير السلع الغذائية ومنتجات اللحوم بالأسواق المصرية بأسعار منافسة حماية منها لأصحاب الدخول المنخفضة. كذلك تدخلها لاستيراد عبوات ألبان الأطفال, فنجدها قد بادرت وتدخلت لاستيراد ملايين العبوات لتوفيرها بأسعار مخفضة. وتوفيرها للدولة ما يقرب من عشرة مليارات جنيه نتيجة اسراعها في استيراد وتوفير المستلزمات الطبية ومنها دعامات القلب, وقواقع الأذن. هذه هي المؤسسات التابعة لقواتنا المسلحة, تتسم بروح المبادرة حماية للمجتمع المصري, وإحساسا منها بمسئوليتها تجاه شعب مصر. وما أن كانت القوات المسلحة المصرية ومؤسساتها من أعرق وأنجح المؤسسات العاملة في مصر, فإنه يكون أيضا علي قواتنا المسلحة مسئولية تجاه المؤسسات المدنية المختلفة في المجتمع المصري, تلك المسئولية المجتمعية لقواتنا المسلحة هي أن تأخذ بيد المؤسسات المدنية, لتعمل علي نقل تجربتها إلي باقي منظومة المؤسسات المصرية التي لا تتمتع بذات الدرجة من التنافسية أو الكفاءة. فتلك هي المسئولية المجتمعية للقوات المسلحة المصرية, التي كتب الله عليها تحمل عبء ومشقة حماية هذا الوطن بمواطنيه ومؤسساته المختلفة.