سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الدكتورة أمل الصبان أمين عام المجلس الأعلي للثقافة ل الأهرام المسائي: مهمتنا خلق كوادر لديها رؤية تتجاوز فكرة الوظيفة إلي الابتكار والإبداع والقضاء علي جرثومة التخلف والإرهاب
للدكتورة أمل الصبان الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة تاريخ مشرف في العمل العام, تزدحم سيرتها الذاتية بالكثير من الانجازات فقد التحقت بالمكتب الفني للمركز القومي للترجمة عقب إنشائه, ثم عملت مستشارة ثقافية بفرنسا وسويسرا وبلجيكا لمدة ثلاثة أعوام, ونظرا لنجاحها ونشاطها اللافت جري اختيارها للسنة الرابعة حتي أواخر العام الماضي2015 لتتولي منصب الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة,ولذلك كان معها هذا الحوار. في البداية أحب أن أبدأ حواري معك عن تجربة العمل في باريس في أجواء معادية وتحت ضغط كيف كانت وما كان دورك في تغيير تلك البيئة؟ الدكتورة أمل الصبان: كانت بدايتي من خلال المشاركة في مسابقة للعمل كمستشارة ثقافية وقد تقدمت لها ونجحت في أن أكون الأولي علي جميع المتقدمين, وتم تأجيل السفر وتسلم العمل لشهور حتي قامت ثورة25 يناير ثم ذهبت لباريس في شهر8 من العام نفسه, وهو الوقت الذي كانت فيه الدنيا في حالة من الإضطراب الشديد والانقسامات بين كل الأطراف التي كانت مشاركة في الثورة آو الخارجة منه. ورغم صعوبة الظروف والأجواء وعدم معرفة من معك ومن ضدك وما هو غرض كل طرف, فقد كان هناك مبدأ بسيط وفاعل وضعته نصب عيني وفكرة واضحة ومحددة عملت عليها وهي تمثيل الواجهة الحضارية لمصر تمثيلا ناجحا ومشرفا وتقديم من يدافع عن الوطن ويؤيده والتعاون معه بدون حدود, لقد كانت الشهور التي أعقبت الثورة مباشرة{ بعد أن كانت مصر كلها علي صعوبة ذلك علي قلب واحد} عبارة عن اتجاهات متعددة ومتعارضة وانحرافات قد تؤدي إلي كارثة للدولة والأمة المصرية وهي بالفعل أحدثت أضرارا لا حصر لها, كانت الجماعات(6 ابريل, الإخوان, الثورة مستمرة...الخ) تتصارع وتتصايح فيما بينها في الخارج كما الداخل, الكل يتهم ويهدد الآخر,أما الوطن فلا يهمه أو أنه دخيل علي الثورة وأنه من قام بها, وكل ذلك أوجد مناخا عاما منفرا للغاية أمام من يتابعنا من العالم وبالذات الرأي العام الأوروبي. خاصة أن مصر تحتل في عقولهم موقعا فريدا, وقد جعل هذا العمل مستحيلا في تلك الظروف, بل في غاية التعقيد خاصة أن الجالية المصرية والعربية في فرنسا من أكبر الجاليات في أوروبا علي الإطلاق وجميعهم تشكل مصر بالنسبة لهم حجر الزاوية والأهمية القصوي والثقل المعادل والحضاري الذي لا غني عنه وبغيره تتضرر الهوية العربية كثيرا ويصبح العربي بغير غطاء, كان علينا أن نغير هذه البيئة الطاردة وتحويلها إلي بيئة جاذبة وفعالة, وبالتعاون مع أكبر المؤسسات والأكاديميات والجامعات الفرنسية ودعوة المستنيرين لإلقاء المحاضرات, وأقمنا العديد من الفعاليات التي تبرز عظمة الحضارة المصرية وإشعاعها وتأثيرها علي باقي حضارات العالم باعتبارها أم الحضارات الإنسانية, وبالتأكيد أسهم موقع مصر الحضاري والثقافي داخل فرنسا في تمكيننا ومساعدتنا علي التغيرات المهمة سواء عقب يناير أو30 يونيو وأوجد روح بناءة في التعاطف مع مشاكلنا والسعي لحل الأضرار التي نتجت عن اضطرابات المنطقة وحتي بعد عدم السماح بإقامة الأنشطة في مكان الملحق الثقافي لاعتبارات أمنية, ظلت أوجه العمل كما هي. وأقمنا فعاليات كثيرة خارج مباني السفارة والبعثة الدبلوماسية وهو ما لفت الأنظار للمرونة التي نتمتع بها وقدرتنا علي التكيف مع المشكلات التي نقابلها,ولا أبالغ إذا قلت إن ذلك ما حول الأمور إلي صالحنا في النهاية رغم كم المشكلات التي زرعها الإخوان وبعض القوي المعادية لمصر عقب30 يونيو والتي صححت الأوضاع وعدلت انحرافات المسار الطبيعي. قلت لها إن مستويات العمل الثقافي في مصر تتعدد وتتنوع, فما الذي يجعل المجلس ينفرد ويتميز؟. قالت: إن المجلس الأعلي للثقافة مؤسسة فريدة من نوعها ومنوط بها رسم جزء من الاستراتيجيات العامة للثقافة في مصر والإبقاء علي ريادة مصر الفكرية وتحرير الفكر من القيود المعوقة للتفكير السليم ومحاربة الجمود, ولذلك فأنت تجد صفوة العقول الفكرية والإدارية والاقتصادية ممثلة في المجلس ولجانه المختلفة, وليس هذا فقط بل هناك بعد إبداعي لهذه الحاضنة,فالمجلس يهتم بالأدباء الشباب كما بكبار الأدباء, جنبا إلي جنب, وينحاز إلي النخبة الثقافية, ولم يقتصر دوره علي الندوات والمؤتمرات فقط, بل يهدف أيضا إلي النزول إلي الشارع, والطبقة المتوسطة والشباب, والتعاون مع مراكز الشباب والأندية والجامعات, بالإضافة إلي وصول القوافل الثقافية للأقاليم... باختصار المجلس عبارة عن قلب نابض للحياة العقلية في مصر ودوره لا يقل أهميته بل يتعاظم مع الوقت وهو الطريق المستقيم لإفراز نخب ثقافية جديدة وحمايتها والتمكين لها ولاستمرارها بعد تراجع ومحدودية الوسائل الأخري علي ذلك فقد تم تقليم أظافر الصحف الثقافية في العالم ومصر من ضمنها لصالح الصحافة الرياضية أو السياسية أو الاستهلاك, وكذلك دور النشر والتي كانت ملاذا ومنبرا للمبدعين, وحلت مكانها عبارة النشر الخاص وسوق النشر والذي أصبح فعلا لا يفرق بين ما يستحق أن ينشر ويترجم ومالا يستحق ذلك, ونتيجة لذلك فإن المجلس وما يمثله يصبح له أهمية قصوي. وأضافت: تكمن هويته في لغته العربية فضلا عن ترجمة للعديد من ثقافات وأفكار العالم من حولنا ولذلك حتي الناظر للأشياء السلبية لا ينكر أهمية المجلس في الحفاظ علي العربية وخدمتها بكل أمانة, وأنا أنحاز للغتي العربية, فهي هويتي. لذلك حرصت علي تنظيم ندوات ومؤتمرات بالتعاون مع الكليات والمراكز البحثية المعنية باللغة العربية, بالإضافة إلي أن المجلس نظم مسابقة بعنوان/ ثقافة الاختلاف وقبول الآخر, تضمنت جوائز وأبحاثا علمية, إذن المنتظر تطوير وتمكين تفعيل المجلس من أداء دوره بفاعلية وقوة. لكن هناك منافسات قوية من مراكز ثقافية عربية أخري,فكيف إذن نحافظ علي ذلك السبق, في ظل ضعف الإمكانيات وشدة المنافسة؟ أمل الصبان: بداية نحن من دربنا هؤلاء ووضعنا البذرة الأولي, وقد أقمنا فعاليات ومؤتمرات كلها تصب في الإطار العام للترقي الثقافي ومصر لها خصوصية وحضور كبير,ولا أدل علي ذلك من أنني كنت في فرنسا ولا يعرفونني وبمجرد حضوري إلي المجلس وتوليتي المسئولية تعاونوا معي وكما تري, المنافسة طبيعة الأمور وبديهية من بديهيات الحياة والعمل الثقافي, ولا شك أنني علي ثقة في قدرات العقول المصرية ولدي إيمان بها وثقة في ريادتها, نحن عادة نتعاون لصالح الجميع ونثمن التجارب المختلفة ونرعاها في أي مكان من الوطن العربي لأننا في النهاية نعضد بعضنا بعضا, نحن الأكبر والأهم في منطقتنا وإقليمنا والعالم,كذا مؤسساتنا أكثر رسوخا وأقدم وتراكم الخبرات في صالحنا, لدينا مفردات ثقافية ليست لدي المراكز الأخري. ولا يمكن أن تكون إلا بالتعاون فيما بيننا مثل, صناعة السينما روائية وتسجيلية, والمسرح بمستوياته المتعددة, الأكاديميات الفنية المختلفة وما يخدمها من بنيه تحتية والتي عمرها أكثر من قرن من التطورات والتعاون مع العالم, كذا الأرشيفات القومية والمتاحف والمراكز البحثية المختلفة باختصار, المجلس يتحرك في إطار هذا, مستقبلا مستجدات العالم وما حوله,وحوله الكواكب العربية البازغة والتي تدور وتسير وأمامها الكثير لتعلمه وتتعلمه. وعلي هذا النحو كيف تنظرين إلي مستقبل الثقافة في مصر, وإلي أين في ظل هذا الكم من المشكلات,وما هو دور المجلس الأعلي للثقافة في حلها؟ أولا: نحن عندنا مشاكل عديدة ونحتاج إلي التوعية, ولا يمكن أن أتكلم عن الثقافة بمنأي عن الدين والتعليم والاقتصاد, وغيرها من العوامل والأسباب,كلها تصب في النهاية في المنتج الثقافي النهائي ككل وكمجموع, والمستقبل يتلخص في أن دورنا يقوم علي انتشال المجتمع من المفاهيم الخطأ وإعداده للحاق بالعجلة الحضارية للعالم المعاصر, نحن نريد أن نصنع, أو بالفعل نحن نصنع, عدالة ثقافية, وذلك بالبدء بالإصلاحات المختلفة, إصلاح التعليم, إصلاح نظام العمل في المدارس ذاتها حكومية وخاصة, مثال/ عند خلق مواطن مصري من الصغر لديه قدرة علي الحوار والتعلم واحترام الآخرين ينبغي أن نركز علي إكسابه مهارات من ذلك النوع فزيارة المتاحف وحصة المكتبة ومسرحة القصص التي يدرسها والمشاركة في الحفظ والغناء للشعر كل هذه الأشياء ينبغي أن تعود, ليصبح الشخص قد حصل علي العدالة الثقافية التي هي حقه فليس المطلوب أبدا أن يكون المقرر سؤال وكيفية الإجابة عنه دون أي اعتبار آخر وأنا اعتبر المدرس الذي يفعل ذلك يحرم طلبته من التفكير والشعور ولا يفيدهم بأي حال ولا يصنع رجالا وكوادر للمستقبل بل يجني عليهم في واقع الأمر, خلق الروح هذه هو المهم الآن فقد تم تجربة هذه الأساليب العقيمة مدة من الزمن,فما الذي يجبرنا الآن علي عدم تغييرها والعودة مرة أخري للتعليم بهدوء وتركيز وتنوع وخلق روح التسامح والتلاقي لخلق مواطن ولديه قيم وانتماء وانفتاح علي الأفكار ويستطيع أن يتذوق ويستطيع أن يتفاعل مع مجتمعه, لدينا تنوع واختيارات وينبغي أن يكون الدور الثقافي واضحا في التعليم. وما هو الموقف الراهن, من ترشيح السفيرة مشيرة خطاب لرئاسة اليونسكو, في ظل الانقسامات العربية,مع ملاحظة أن كل منابع الحضارة في الشرق الأوسط حولنا في العراق وسوريا وحتي ليبيا تم تدميرها؟ بالطبع نحن نتعرض في المنطقة للتدمير وإعادة رسم خريطة للمنطقة, وهذا يبدو واضحا للعيان, وبالتأكيد إذا أردت أن تمحو هوية شعب تفعل ما يحدث الآن من تدمير متاحف وآثار وثقافة العراق وسوريا ليبيا,وقد حدث ذلك لدينا في مصر عقب ثورة يناير من مهاجمة المتحف المصري وتدمير متحف ملوي وحتي حرق المجمع العلمي. وبالطبع كانت التهم علي المشاع,ولكن استمرار أحداث التدمير وظهور المستفيد الغربي مما حدث بإيدي من يدعون أنهم متشددون وثورة في العراق وسوريا وباقي البلاد العربية, أعلمنا ما الذي كان يستهدف مصر وقتها ولم نكن نراه, فقد كانت المؤامرات تحاك وتنفذ ويتم الترويج لها. أما فيما يتعلق بترشيحنا لرئاسة اليونسكو فقد تم اختيار السفيرة مشيرة خطاب وهو اختيار ممتاز وفرصنا جيدة, والاتحاد الإفريقي أعطي السفيرة مشيرة خطاب أصواته, ولكن قطر قدمت مرشح أيده مجلس التعاون الخليجي,وهناك مرشح ثالث من لبنان, والمفترض أن يكون الاختيار لأحد من المنطقة العربية والأمل الآن أن تقوم الجامعة العربية باختيار مرشح متوافق عليه وتغليب المصلحة القومية للعرب باختيار المرشحة المصرية والوقوف إلي جوارها, بالطبع في النهاية أن المرشح العربي الذي يلي المنصب ينتصر للثقافة العربية. وما هي طموحاتك في العمل الثقافي. وما الانجاز الأبرز الذي تحلمين بتحقيقه؟ من الناحية الإدارية أريد أن أصلح المنظومة الإدارية والخلل الإداري الداخلي, لابد من الوصول إلي دولة القانون,ومن يخطئ يحاسب بجد وبقوة وبلا مواربة آو استثناء, أريد أن تكون الكوادر التي تعمل مع الثقافة وفي خدمتها مدربة وبقوة ولديها مرونة وقدرة علي العمل وفي أصعب الظروف,ولديها رؤية تتجاوز فكرة الوظيفة إلي الابتكار والإبداع, أحب أن يكون هذا هو انجازي علي المدي القريب, ولا أبالي إن حققته, بأي شئ آخر, وإنماء قيم العمل غاية في حد ذاتها وهكذا يمكن الانتفاع بمنجزاتنا,ولا نخاف الوجه الظلامي لجرثومة التخلف والإرهاب.