تشهد التكنولوجيا في مجال الصحة تطورا مستمرا منذ ربع قرن, وليس ظهور شبكة الإنترنت وانتشارها الواسع خلال الفترة نفسها بالصدفة العشوائية. بل نتجت الكثير من التطورات التي سنتكلم عنها اليوم في مجال الرعاية الصحية عن عنصر جوهري له علاقة وثيقة بالإنترنت. من الناحية العلمية المحضة, لم تكن العلوم العصبية الحسابية لتري النور كعلوم تدرس وظائف الدماغ لولا علم الحاسوب. هذا وتطورت المقاربة المتبعة في دراسات الجينوم بشكل كبير بفضل المنجزات المحققة عبر الحاسوب. ناهيك عن أن مجموعة واسعة من تقنيات التصوير الطبي( من الأشعة فوق السمعية إلي التصوير بالرنين المغناطيسي) تتوفر اليوم بفضل النمو الفريد في التكنولوجيا والأنظمة القائمة علي مراكز البيانات المتصلة التي بتنا نعتمد عليها اليوم. كيف ستخدم تكنولوجيا المعلومات مجال الصحة في المستقبل؟.. سلط معرض الصحة العربي العام الماضي الضوء علي أهمية نموذج توفير الرعاية الصحية القائم علي الخدمات, وهو عبارة عن ابتكار نتج عن الأهمية المتزايدة التي تتمتع بها التكنولوجيات الناشئة عن الخدمات ويستفيد من شبكات الاتصال العالمية لبناء نماذج جديدة للأعمال. فمع زيادة أعداد المصابين بأمراض غير معدية مثل السكري وأمراض القلب في المنطقة, ثمة ضرورة لم يسبق لها مثيل لتقديم الرعاية الصحية القائمة علي التشخيص في مجالات مثل الطب الإشعاعي. ولكن تبقي تكاليف رأس المال اللازمة لتأمين المعدات مسألة مهمة يجب معالجتها, لاسيما في الشرق الأوسط حيث تخصص العديد من الدول ميزانيات متواضعة للرعاية الصحية. وقد عقدت جنرال إلكتريك للرعاية الصحية بالفعل اتفاقيات رائدة مع بعض سلطات الرعاية الصحية في المنطقة تقدم الشركة بموجبها معدات الطب الإشعاعي من دون مقابل لكن مع تطبيق نموذج افرض الرسوم وفق استخدام الخدماتب. ولهذه المقاربة الجديدة للتعامل مع الاستثمار في المعدات الرأسمالية مزايا متعددة. فتستطيع مثلا وزارات الصحة أن تركز أكثر علي مهامها الإدارية الأساسية وأقل علي الرعاية الصحية بحد ذاتها, بينما يتولي المورد مهام الحفاظ علي المعدات والتكنولوجيات وضمان حداثتها في كافة الأوقات. بالإضافة إلي ذلك, يمكن للأنظمة المعاصرة المتصلة بالشبكة كتلك التي نوفرها هنا أن تطلب من أي طبيب إشعاعي في أي مكان في العالم أن يجري التشخيص اللازم, إذ لم تعد خبرة التشخيص محدودة في المنطقة التي يعيش فيها المريض. لا يمكن الجدال بعد أن المواضيع الأساسية المطروحة هي نموذج تقديم الخدمات, والتخصص المعاصر, والاتصال العالمي. القياس الكمي للذات من ناحية نظرية أكثر, نستطيع نحن الأفراد أن ندعم تطور ابتكار تكنولوجيا المعلومات في مجال الصحة عبر تبني مفهوم االقياس الكمي للذاتب. يعني ذلك أن علينا جمع مؤشراتنا الحيوية ومعلوماتنا الإحصائية البيولوجية وتحليلها عبر استخدام معدات الرعاية الصحية في نوعيها: المهنية وتلك المخصصة للمستهلكين التي يمكن اارتداؤهاب. هذا هو االقياس الكمي للذاتب: إنسان له قياسات كمية يمكن أن تساعد علي الوصول إلي تحليل نوعي. وعلينا أن نجمع كل معلومات المرضي المتعلقة بمعدل ضربات القلب والتنفس وحرارة الجسم وغيرها, وذلك ضمن حدود الخصوصية المتفق عليها. علي سبيل المثال, يساعد تحليل البيانات الضخمة والذكاء المعرفي في مجال الرياضة علماء الصحة في رصد الأنماط الصحية لدي الرياضيين وإيجاد سبل لتحسين أدائهم. يمكن تطبيق هذه التحليلات نفسها علي مجمل الناس ومن ثم مقارنة هذه المعلومات في ما يخص الحمية وأسلوب العيش والضغط وإلخ, لمحاولة تحديد أي نوع من العلاجات قد يحتاجون إليها. يجب أن ندرك ما لا نعرفه المثير للاهتمام هو أنه من الضروري أيضا جمع معلومات عن قياسات للجسم لم يتم تحديدها بعد. السبب هو أن العلم في تغير مستمر, وفي بعض الأحيان, تتطلب مجالات صحية تم تجاهلها في الماضي دراسات جديدة. لكن إذا قمنا برصد كمية كبيرة من البيانات المتعلقة بأجسامنا وبتخزينها ذ أي كمية أكبر من أن نحللها فنخزنها بدل ذلك ذ نكون قد ضمنا توفر هذه البيانات عند الحاجة. وستفتقر هذه االبيانات الضخمةب بادئ الأمر إلي أي هيكلية ولن تلعب أي دور محدد, إلي أن يحين وقت استخدامها. أما علي المدي البعيد, فستساعدنا هذه المعلومات الشخصية الجزئية علي فهم الوضع الصحي للسكان علي مستوي شامل في السوق. وسيتمكن صناع السياسات ومقدمو الرعاية الصحية من التنبؤ بالأنماط والتوجهات في فئات كبيرة من المجتمع. الوقاية خير من العلاج ما ينتج عن هذه التطورات في تكنولوجيا المعلومات هو أننا ننتقل من العلاج علي مستوي المريض كمرحلة أولي إلي الوقاية والكشف كمرحلة ثانية, أي نعود إلي ما قبل اللجوء إلي العلاجات والأدوية والإجراءات التصحيحية. سيتجه في المستقبل عدد متزايد من المؤسسات العامة والخاصة نحو تحليل البيانات المتوفرة في سجلات الرعاية الصحية القائمة. وسيساعدنا تحليل البيانات الصحية في المستقبل في رسم التوجهات العامة في الرعاية الصحية التي يمكن تطبيقها علي مجمل السكان وفي اكتشاف أي خلل قد يشير إلي ظهور أمراض جديدة. أما في المستقبل القريب جدا, فسيمكنك هاتفك الذكي من الاتصال بجهاز التحليل الكيميائي المحمول ذات براءة الاختراع كي تستطيع تحليل نسبة السمية في الماء التي تشربها والقيمة الغذائية في الطعام الذي تتناوله. يتوقع علماء المستقبل أن استخدام التطورات القائمة علي التكنولوجيات الجديدة في الرعاية الصحية ستؤدي إلي زيادة معدل عمر الإنسان إلي ما فوق100 سنة. هل هذا خبر يسرك؟ بالطبع, فمن المتوقع أن يكون كوكبنا في المستقبل أكثر صحة مما هو عليه اليوم. لكن هذا لا يعني أنه يمكننا تجاهل ضرورة تناول الحبوب المغذية والألياف والفيتامينات وممارسة الرياضة. فلنشرب معا عصير الكرنب والرمان المغذي. متخصص في شئون تطوير البرمجيات وإدارة المشاريع والتكنولوجيا