أمور كثيرة تملأ صدري ما بين اليأس من الوصول إلي طاقة نور تتغير بها حياتي والرجاء في أن أتخلص من كل أدراني وآثامي.لم أكن قبل أيام قليلة أحفل بشيء من هذا فقد كنت أعيش حياتي كيفما يتفق تحكمني المصلحة في كل شيء حتي مررت بمحنة زلزلتني ووضعتني أمام نفسي كي أواجهها بكل القبح الذي عشته معها سنوات عمري التي لم ينقض منها أكثر من ثلاثة عقود هي كل عمري. بدأت محنتي عندما تسببت خطأ في موت طفلة بريئة كانت تلهو في الشارع اندفعت أمام سيارتي بشكل مفاجئ ولم أدر إلا وقد اصطدمت بها. توقفت وحملتها إلي المستشفي وتكفلت بكافة النفقات وسلمت نفسي للشرطة ومضت إجراءات المحاكمة بالشكل الذي أنصفني فلم أقصد قتلها وتم تصنيف الواقعة قتلا خطئا وانتهي الأمر بالتعويضات المادية التي قررتها المحكمة. ولم يكن أمر المال يقلقني فقد كنت متيسرة الحال وكنت مشفقة بالفعل علي أسرة الطفلة وحاولت أن أسترضيهم بأي شكل. لم ينته الأمر علي هذا النحوفقد تبدلت حياتي إلي النقيض. افترشت عيوني السهاد قلقا ورعبا حتي أن فكرة النوم باتت أمرا مزعجا لي مثيرا للخوف فبمجرد خلودي للنوم تأتيني الطفلة في منامي تطاردني, تحيطني من كافة الاتجاهات حتي أشعر بالاختناق فأنتفض من فراشي فزعة مذعورة تتصاعد نبضات قلبي حتي يكاد ينفجر في صدري. عبثا حاولت أن أتخلص من هذا الحلم المزعج والذي كان يزيد من رعبي من هذا الكابوس أن الطفلة التي تأتيني في الحلم ليست هي التي صدمتها بسيارتي ولكنها أنا في طفولتي وكأنني صدمت نفسي وقتلتني مثلما قتلت الطفلة الصغيرة. كدت أجن مما ألاقيه كل ليلة وعبثا حاولت التخلص من كل ذلك حتي نصحني الأصدقاء باللجوء لأحد الأطباء النفسيين وخضعت لجلسات علاج نفسي كثيرة واستسلمت لعقاقير المهدئات كي أستطيع النوم ولكن شيئا من حياتي المتوترة لم يعد إلي طبيعته السابقة. أنا أدرك من أمر نفسي ما قد أخجل من ذكره فقد عشت حياتي السابقة بلا كنترول أخلاقي وليس هذا يعني انحلالا ولكني أقصد اختياراتي في العمل فأنا سيدة أعمال كل شيء عندي يخضع لحسابات المكسب والخسارة وتعلمت منذ البداية أن ال بزنس لا قلب له ولا ضمير أيضا وقد كنت محترفة في صراعاتي بالسوق أتغلب علي خصومي بأي ووسيلة ممكنة.ز كنت أؤمن بالنظرية الميكيافلية التي تنظر الحياة فلسفيا بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة وكما كنت متميزة في دراستي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية وتخرجت فيها من أوائل الدفعة كنت أيضا سيدة أعمال لها ثقلها في السوق ولي من الخبرة رغم صغر سني ما يساندني في عملي. كانت حياتي تسير كالقطار الذي لا يتوقف في محطات غير أنه يجري علي قضيبين في اتجاه واحد, يعرف مساره لا ينثني ولا يتحول حتي وقعت هذه الكارثة بقتل طفلة تحت عجلات سيارتي. علي الرغم من أنه حادث عرضي تسبب في قتل خطأ إلا أنه كان نقطة محورية في تاريخ حياتي كلها فأنا أم لولد في مثل سن الطفلة القتيلة وأشعر كيف هووقع موت الصغيرة علي قلب أمها ورغم أني لم أعش حنان الأمومة الطبيعي لانشغالي عن بيتي وابني وزوجي إلا أنني في النهاية أم وأعرف مرارة إمرأة ثكلي في فلذة كبدها. وربما كانت هناك حكمة أجهلها من أمر ذلك الحادث وتداعياته المفزعة في حياتي كي أفيق من سكرة المال والأعمال واصطياد زلات الناس واستثمارها وقلب الحقائق واللعب علي كل الحبال.. أرادت الأقدار بي تبدلا في الأحوال كي أشقي بكل ذلك وأتعذب به.. هكذا قال لي الطبيب النفسي وشرح لي أن الطفلة البريئة التي تطاردني في كابوس منتصف اليل كل يوم ما هي إلا ضميري الذي استيقظ من وقع صدمة نفسية حادة عندما صدمت طفلة صغيرة بسيارتي. كنت أتخيل أن فهمي لحالتي سوف يعيد إلي رباطة جأشي واستقراري النفسي ولكن الحالة النفسيي من سيء لأسوأ فلا الكابوس غادرني ولا نيرات الخوف والفزع قد خبت وانطفأت في صدري. عندما حل علي شهر رمضان هذا العام كنت قد أمضيت قرابة العام في تلك المحنة وجاءني خاطر أن أسافر إلي الأراضي الحجازية معتمرة ولعلي عندما أغتسل بماء زمزم وأتطهر في بيت الله العتيق أتخلص من كل مخاوفي وكوابيسي. اصطحبت زوجي وسافرنا ولا أستطيع التعبير أووصف كم الراحة النفسية التي استشعرتها هناك ولأول مرة منذ شهور طويلة كنت أنام مليء جفوني قريرة العين مستقرة النفس وربما لم أرتاح أواتصالح مع نفسي في حياتي كلها مثل تلك الفترة التي عشتها في رحاب مسجد الرسول الكريم ورحاب الأراضي الطاهرة بمكة في البيت العتيق.. كانت أجواء الرحمة والمغفرة تعبق المكان عطرا وعبيرا إيمانيا خاصا وفي جومن هذه الروحانيات نسيت كل شيء إلا من وجودي في رحاب ربي ورحمته أستغفره وأتوب إليه أغتسل بدموعي ندما وحسرة فتتطهر الروح قبل الجسد. ومضت أيام العمرة وعدت لبلدي ولحياتي طامعة في استقراري الذي حصلت عليه ومعاودة عملي وحياتي الطبيعية ولكن كانت المفاجأة التي تجمدت لها فقد عاود الكابوس مطاردتي ونفس الطفلة التي ترتدي ملامحي هي نفسها من تخنقني وكأن شيئا من مصالحة النفس وتطهرها لم يحدث خلال العمرة. أكتب إليك واليأس قد تملكني تحيطني ظلمة خانقة بعد أن ضاع طوق نجاتي الوحيد وبات الأمل في بصيص نور من حل مستحيلا. أسطر كلماتي وأواجه نفسي بما فيها من سوء كما واجهتها في رحاب الكعبة لعلي أقتل فيها ما يعيدني للوراء ولكن خيط من رجاء في عفوالخالق عز وجل مازال ينبض في قلبي أتمسك به تمسك غريق يتشبث بالحياة لعله ينجويوما ما. ل م القاهرة قل يا عبادي الذين أسرفوعلي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله وان يا سيدتي ممن شملهم الله برحمته إن شاء الله ودلالات ذلك كثيرة فلا تركني لليأس يأكل في نفسك الامل في عطف الله ورحمته ولولا ان الله يحبك لخير فيك لما اختصك برسالة وعلامات كي تهتدي بهما في طرق حياتك ولعل هناك من السلبيات فيها ما لا يرضي الله سبحانه وتعالي فأراد لك الخير بصدمة هي المنعطف المصيري في حياتك وأتبعها برسالة يومية لعلك تفيقيين وما يؤكد الخير في نفسك موقفك تجاه الطفلة التي صدمتها فأنت لم تغادريها هربا ولم تتملصي من فعلتك وتعاملتي معها كيفما أمرنا الله تعالي فقد قال جلت قدرته في الآية الثانية والتسعين من سورة النساء: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلي أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلي أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما صدق الله العظيم. أما أمر مصالحتك مع نفسك الذي نجحت فيه أثناء العمرة فهذا أمر طبيعي لأنك وأنت في رحاب الأرض الطاهرة خلعت عنك عباءة سيدة الأعمال بكل أوزارها وارتديت رداء الطهر والتوبة ولعلك عندما عدت إلي بلدك مرة أخرة عدت لنفس ردائك وأسلوبك الخاطيء في إدارة أعمالك فتدنست نفسك مرة أخري وعاد إليك صوت ضميرك تماما كما وصفه لك الطبيب يحارب فيك النفس الأمارة بالسوء ولعمري ملامح الطفلة التي تطابق ملامحك هي نفسك الطاهرة قبل أن تنتهكها حياة المال والعمال وارتباط التصادم الذي راحت ضحيته طفلة صغيرة ارتباط محوري وكأنك صدمت نفسك منذ زمن بعيد وقتلت البراءة في روحك فعادت تثأر منك في صورة كابوس يومي لن يغادرك إلا لو أعدت الطفلة البريئة في نفسك للحياة مرة أخري. وما عودة البراءة الطفولية إليك ببعيد غير أن تنزع ثوب الشيطان الطامع في المال وترتدي ثوب الطهر كما كنت عليه في الروضة الشريفة. الأمر ليس بعثير مجرد تغيير شامل في منهاج حياتك عليك فيه أن تتبعي طرقا سوية في عملك فليس كل حياة رجال الأعمال سيئة ولكننا نلوث الطهر فيها بصراعاتنا اتباعا لهوي الشيطان. اجعلي للبر في نفسك مكانا حصينا تتحصنين به من غولاء إبليس وأعوانه ولك في حديث الرسول محمد صلي الله عليه وسلم نبراس نور تستضيئين به فقد قال في الحديث الشريف: عن وابصة بن معبد الأسدي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال لوابصة جئت تسأل عن البر والإثم؟ قال: قلت: نعم, قال: فجمع أصابعه فضرب بها صدره وقال: استفت نفسك استفت قلبك يا وابصة ثلاثا, البر ما اطمأنت إليه النفس, واطمأن إليه القلب, والإثم ما حاك في النفس, وتردد في الصدر, وإن أفتاك الناس وأفتوك صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم. ومن هنا تدركين أن علاجك في يدك أنت ليس أحد آخر لواتبعت طريق براءتك وأنت طفلة سوف تنجين مما أنت فيه أما لواستهوتك شهوة المال وبريقها الزائف فتحملي ما أنت فيه من أشواك تقض مضجعك وتدميه.