لم تكتف طهران بالتدخل في الشأن العراقي والسوري واليمني, بعناصرها العسكرية وميليشياتها المسلحة ومقاتليها وبدعمها العسكري لأذنابها في لبنان وغيرها من العواصم العربية لا سيما في دول الجوار العربي, ولكن يبدو أنها مصرة علي التدخل في شئون كل دول المنطقة بلا استثناء. والحلقة الأخيرة في سياستها ما فعلته مع مملكة البحرين احتجاجا علي إسقاط الأخيرة الجنسية عن رجل دين شيعي يحرض علي الانقسام المذهبي وإشاعة الفوضي في المملكة. فبعد إسقاط المنامة الجنسية البحرينية عن الشيخ عيسي قاسم وتعليقها لأنشطة جمعية الوفاق الممولة من طهران والتي يعد قاسم الأب الروحي لها, بدأت إيران حملة موسعة للتدخل في الشأن البحريني ومواجهة قرار المملكة السيادي الخاص بإسقاط جنسيتها عن أحد مواطنيها بتهمة السعي لإثارة الانقسام المذهبي في البلاد, في خطوة من جانب طهران تتعارض مع كل القوانين والأعراف الدولية. الحملة الإيرانية أخذت أشكالا عديدة من بينها تحريض عناصرها في العراق بعدم التزام الصمت, وباتخاذ خطوات عملية ضد مصالح الحكومة البحرينية, إضافة إلي الموقف المعلن من جانب قادة الحرس الثوري ووزارة الخارجية الإيرانية بهذا الشأن. وتؤكد تقارير لمراقبين دوليين أن فيلق القدس التابع للحرس الثوري بقيادة قاسم سليماني عقد اجتماعا بهذا الخصوص ودعا كافة المجموعات الشيعية التابعة له في المنطقة إلي التصدي للحكومة البحرينية بسبب إسقاطها الجنسية عن قاسم, ما يعيد للأذهان ما فعلته طهران إزاء تنفيذ حكم الإعدام علي رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر, من تحريض الجماهير الإيرانية علي حرق السفارة السعودية في طهران والاعتداء علي قنصليتها في أصفهان من دون أي تدخل للشرطة لحماية البعثتين السعوديتين فوق أراضيها. الخطة الإيرانية التي طرحها قاسم سليماني في اجتماعه الخاص بفيلق القدس في حضور عدد من قيادات الفيلق تقضي بتحريض العناصر الشيعية التي عملت لسنوات طويلة في بعض الدول العربية وبالأخص في البحرين بتفعيل دور المجموعات الدينية الشيعية البحرينية لإثارة اشتباكات مسلحة في المملكة بغرض إحداث حالة من عدم الاستقرار تظهر انعدام الأمن في هذا البلد الشقيق, مع التوصية بتسليح تلك المجموعات, علي أن تكون هذه الخطوة علي رأس سلم الأولويات. وفي السياق نفسه أوصت خطة المجلس الإيراني الأعلي للأمن النظام بأن يتم تشغيل المجموعات الشيعية المسلحة في البحرين من خلال المليشيات المؤتمرة بإمرة فيلق القدس من أمثال حزب الله وعصائب الحق وعدم إرسال فيلق القدس لعناصره مباشرة إلي الساحة البحرينية, فيما يتابع الفيلق أعمالا دبلوماسية من خلف الكواليس. كما طلب المجلس الأعلي للأمن النظام من وزارة الخارجية الإيرانية اتخاذ مواقف رسمية ودبلوماسية نشطة بهذا الشأن حتي تتابع قوات الحرس خطوات عملية ضد البحرين عن طريق مجموعات المليشيات العراقية. من جانبه قام وزير الخارجية محمد جواد ظريف خلال جولته الأوروبية ولقاءاته الدبلوماسية مع القادة السياسيين بالدعوة إلي إدانة الخطوة البحرينية, حيث أكد عقب لقائه نظيره الهولندي بضرورة اتخاذ موقف أوروبي ضد المنامة بزعم أن إسقاطها الجنسية عن الشيخ عيسي قاسم يعد مؤسفا جدا علي حد قوله! وفي محاولة من ظريف لتبرير الحملة الإيرانية علي مملكة البحرين قال وزير الخارجية الإيراني خلال جولته الأوروبية: يبدو أن الضغوط الخارجية التي ألحقت بالبحرين منذ التدخل السعودي علي هذا البلد, في إشارة منه إلي تدخل دول مجلس التعاون الخليجي لإنقاذ البحرين من مصير دول سبقتها علي طريق الفوضي في بداية ثورات الربيع العربي, أغلقت طرق إبداء المعارضة السلمية للمواطنين البحرينيين, متجاهلا أن ما حدث في البحرين وقتها لم يكن أكثر من ثورة شيعية لقلب نظام الحكم في المملكة, وأضاف ظريف: ونحن علي الثقة بأن هذا الموقف الخطير للغاية يتطلب اهتماما أكبر من جانب المجتمع الدولي. وفي رسالة صريحة لا تخلو من دلالات خطيرة علي لسان قائد فيلق القدس قاسم سليماني هدد المسئول العسكري الإيراني الحكومة البحرينية بقوله: إن الشيخ عيسي قاسم يعتبر الخط الأحمر للنظام الإيراني وما فعل البحرين ضده ستبتلع المنطقة في فتنة طائفية وتأجيج الناروإننا سنحمل الحكومة البحرينية المسؤولية. وطلب فيلق القدس من قادة المليشيات التابعة له باتخاذ موقف بهذا الشأن وتهديد المنامة بتداعيات عملها, فيما أعلن الشيخ قيس الخزعلي أمين عام عصائب أهل الحق العراقية, من أن مليشيات العصائب مستعدة لمساعدة الشعب البحريني في أي ظروف محذرا البحرين تجاوز الخطوط الحمراء, كما هدد زعيم حزب الله اللبناني حسن نصراللهفي بيان له ضمنيا أن قرارالحكومة البحرينية يؤدي إلي لجوء البحرينيين إلي خيارات خطيرة حيث سيكلف تكاليف باهظة للنظام البحريني!! يأتي ذلك في الوقت الذي طلبت فيه السفارة الإيرانية في بغداد من قادة مليشيات القدس الاحتجاج علي إسقاط جنسية الشيخ عيسي من خلال تنظيم تظاهرات أمام السفارة البحرينية في بغداد واستقدم جانب من عناصرها في الأسبوع الأخير من يونيو الماضي. هكذا لم تترك طهران ورقة واحدة لم تلعب بها في قضية إسقاط الجنسية البحرينية عن رجل دين شيعي يحرض علي الانقسام المذهبي والعنف, وكرست كل جهودها لا لنصرة الرجل, بل لدس أنفها في شأن داخلي لدولة عربية لها سيادتها, ولم تتردد في تجييش الميليشيات والخارجية وأذنابها التابعين لها الذين يأتمرون بأمرها من أمثال الخزعلي ونصر الله, فيما لو كان هذا الخارج علي القانون موجودا في إيران لما تردد الملالي لحظة في الحكم بإعدامه علي رؤوس الأشهاد.