أخبرني صديق: في إحدي زياراتي إلي ألمانيا, دعيت إلي زيارة مبني البوندستاج البرلمان الألماني. مررنا عبر بوابات تفتيش إليكترونية. شرحت لنا مرافقتنا شيئا من تاريخ المبني العتيق. علي أحد الحوائط دونت أسماء من تولوا منصب المستشارية, وقعت عيوننا علي حجر من دون اسم. تساءلنا. أجابت, إنه لهتلر, وقفت مآسيه حائلا دون ذكر اسمه. ثم أردفت قاد هتلر ألمانيا والعالم إلي دمار شامل, لو كان بإمكاننا أن نقتطع هذا الجزء من تاريخنا لفعلنا. بعد جولة قصيرة, أخبرتنا بأننا نستطيع أن نتجول في المبني حيث شئنا. بينما انتشر الرفقاء, وقفت مكاني لا أعي كيف أتجول في البوندستاج من دون رقيب. اقتربت منها. تلفت حولي متوجسا. همست لها: أتيت يا سيدتي من خلفية أمنية, ربما أتفهم سيري وحيدا في الشارع, لكنني لا أتخيل تجوالي في مبني رسمي من دون ظل ثقيل. نظرت السيدة نحوي بإشفاق, وبنفس النبرة همست, تأمين مبني لا يعني أن يلاصقك رجل شرطة, ثم رفعت عينيها إلي أعلي حيث ثبتت كاميرات صغيرة في أنحاء المكان, فحركت رأسي في ارتياح وابتسمت, فرجل مثلي يسكن عقله المخبرون والمفتشون يصعب أن يستشعر الطمأنينة وحيدا. جبت المبني, عبرت بوابات وسرت في ردهات, هذه مكتبة, وتلك مكاتب أعضاء البرلمان مقسمة بحسب انتماءاتهم الحزبية, وخلف هذا الزجاج المحصن يوجد مكتب المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل. يتصدر نسر عملاق القاعة الرئيسية, رمز ألمانيا الموحدة, ذلك الذي صممه العراقي الأصل, الألماني الجنسية ريان عبدالله الموصلي, صاحب أكثر الشعارات شهرة: فولكس فاجن, آودي, بوجات وغيرها. في صمت ومنذ سنوات عديدة يقلب الشرق علي نار هادئة في انتظار تمام النضج. ارتفع أزيز غليان القدور, وانفجرت بما فيها لتدرك النار أهل الدار ومن في الجوار. في هدوء, يتساقط لحم المدن العربية قطعة قطعة. تمتد ألسنة النيران عبر الحدود, تكتوي أوروبا بإرهاب أعمي, يري انتصاراته في غزوات مباغتة علي العزل. باتت أوروبا تفتش في أصابعها وأصابع من يمدون أيديهم إليها عن طلقة رصاص أو نصل خنجر. بينما في الضفة الأخري ينبشون العقول بحثا عن أفكار ممنوعة ليصادروها والعقول. وحدي ووجهي العربي نواجه رجل الشرطة في قسم الجوازات بالدولة الأوروبية. ينقل الرجل عينين رماديتين بين وجهي المتعب وجواز السفر. يقلب صفحاته في هدوء. بلطف, أفهمته أن جواز سفري يعفيني من الحصول علي تأشيرة دخول. أعاد الرجل النظر في الأوراق, وضع ختم المرور وسلمني الجواز في كسل. لم أخط خطوات حتي استوقفني آخر, أظهر بطاقة الشرطة, وطلب أن اتبعه جانبا. بعد بضعة أسئلة روتينية ونظرات ارتياب احترافية, أخذت أوراقي, وحقيبتي, ووجهي العربي المشبوه ومضيت انتظر محطات توقيف أخري. هنا وهناك. تنتشر عيون الكاميرات, تتابعنا, تسجل سكناتنا وحركاتنا, ينتشر رجال الشرطة والجيش مدججين بالسلاح والعتاد. في الشارع. في المقهي. في المسرح. في المتحف. في المترو. للمرة الأولي استشعر قلق أوروبا. أسمع أنفاسها المتوترة. تري, هل أحست بما يعانيه العرب. هل أدركت أن النار إذا ما اندلعت أكلت أبناءها والجيران. ملامح صارت مشتركة بين الشرق والغرب. أيضا, أصبحت وجوهنا العربية مشاريع اتهام, عقب صديقي في أسي. مرت لحظات صمت متبادل. نظرت خلفي, فإذا ظل ثقيل يرافقني. تنهدت في ارتياح, ثم تمتمت الحمد لله, لم أفقد ظلي بعد.