واستكمالا فقمع الصورة يخلق نوعا من الوعي المضاد الذي يصعب زحزحة قبضته لنه قد أصبح بدوره نقيضا للتحرر إذ يمثل الصورة نوعا من الجمالية الخاصة المقبولة طوعا لدي الأفراد حين تمارس نماذج متعددة من القمع الارادي اللامرئي في احتواء واستقطاب الوعي العام دون ان تنذر هذا الوعي انه الهدف المباشر لللقمع من قبل تلك الصورة التي تخترقه, من ثم ينساق وراء عوالمها السحرية الحالمة الوادعة بكل طاقته وارادته. وتثير كل تلك الانطباعات عن حياة الصورة وموتها واتخاذها كوسيلة من وسائل ابتزاز الوعي واستلابه, تساؤلات عدة لدي المحاور يمكن خلالها ترجمة المعاني والدلالات المتضمنة في فكر دوبريه وتحديد هيكلية القضية وبرمجتها علي مستوي آخر, فقط خاض الكاتب جولة كبري من التساؤلات المعمقة التي تعكس وجها آخر تكتمل به الرؤية وتصبح جزءا عضويا متلاحما مع أصل النص الذي خطه دوبريه ازاء تلك القضية. وقد جاءت تلك التساؤلات في بنيتها الموضوعية مشبعة لنهم كل قاريء يريد التفحص والاستقصاء, فقد تمحورت بين محاولة ايضاح مدي تأثر المشروع الفكري الأخير لدوبريه بمدرسة فرانكفورت الفلسفية وروادها الذين تناولوا بالنقد التحليلي الفلسفي أنماط الهيمنة داخل المجتمعات التكنولوجية المعاصرة, كما ركزت علي اللحظة الفاصلة في الانتقال من الممارسة العلمية للثورة الي التنظير لنقد الثورة, ثم أخذت التساؤلات متجها آخر لكن ظلت تربطها خيوط بارزة وخفية أيضا بالقضية المحورية المعنوية بالقمع والصورة, اضافة لوجود بعد آخر شجع علي طرحها وهو فرصة اللقاء بمفكر في قامة دوبريه والتي يجب أن تستثمر نحو الأفضل فالأفضل بتناول محاور تجربته الفكرية الأصيلة بعمقها وخصوبتها لذا كان التساؤل حول مسألة الثورة داخل العالم الثالث هل هي معطي ونتيجة للفكر اليساري أم للماركسية علي وجه الخصوص, وهل بالامكان مستقبلا ظهور نظرية ثورية هامة تعادل نفس درجة الأهمية التي اتسمت بها الماركسية؟ كما تطرقت الأسئلة في اتجاه تحليل الفروق النسبية بين الجيال ازاء الحركة الثقافية في فرنسا باعتبارها قد عايشت حالة انتعاش وحالة ركود وتراجع أيضا احتجبت معها ظاهرة المثقف النجم او المثقف الشمولي الي غير ذلك من التساؤلات الحية المتناولة للوضع السياسي في فرنسا وصولا الي الأزمات السياسية التي تكتنف العالم الثالث باعتبارها موضع اهتمام دوبريه وانتهاء بالحديث الشجي عن جيفارا رفيق الكفاح ورمز الثورية الملهمة. لكن أبدع ما قاله دوبريه حول بعض من ذلك كان فيما يتعلق بالصورة والثورة فجاءت كلماته مؤكدة علي أشياء كثيرة منها: أن فن الرسم هو التحليل النفسي للقرن الثالث عشر والصورة هي التحليل النفسي للقرن العشرين وأن لكل حقبة ذهنية وعيها المرئي وأن الدولة تحكم وتهيمن بواسطة القمع المقبول والمغري خلال تقمصها للرموز والصور أي أنها تحكم عبر الاقناع العقلي والأخلاقي للأفراد. وأننا لا نستطيع أن نفسر او نفهم الحروب الصليبية دون أن نفكر ونتأمل التأثير الرمزي الذي قام به البابا أوربان الثاني في القرن العاشر الميلادي اذ طرح نداء دينيا للناس كي يشاركوا في هذه الحروب, وكان هذا الرمز الديني قد أوجد هذا الأثر الاعلامي الرمزي لكلماته ولخطابه كي يؤثر في الناس, اذ لم تمتلك السلطة آنذاك الأدوات التكنولوجية المعاصرة لطرح آرائها بل كانت الكلمات فقط وطبيعة صياغتها هي التي تجعل الأفراد يتخذون موقفا معينا.