قال بعض الحكماء: اعقل لسانك إلا عن حق توضحه, أو باطل تدحضه, أو حكمة تنشرها, أو نعمة تذكرها. ونحن نجوب الأرض والفكر داخليا وخارجيا بحثا عما يعين( أم الدنيا) علي ايقاظها من رقدتها, فالمسئول الأول عنها يشتت نفسه فيها ليجمعها ومع هذا السعي الأسطوري, لم لا تكون جل الهمة نحو الداخل تجاه إعادة بناء عقول الأبناء وتصويب أفهام شوهتها عولمة لا تبقي ولا تذر؟!.. فمن أبواب السعي للنهوض باب القراءة. نعم, القراءة لأنها أكسير الحياة للأمم والشعوب تعصم ذاكرة الأمة من النسيان والغفلة, كما تنشط فكر المجتمع وترقي بوجدانه, وتداوي آلام الأمية وأوجاعها خاصة الأمية الثقافية التي نخرت عقول المتعلمين, فما بالنا بالأمية التقنية أقصد أمية تكنولوجيا المعلومات, فأين نحن في خريطة الألفية الثالثة؟!. أعتقد أن معظم بلدان الدنيا قد أتت علي كل وسائل الثورة الرقمية أو المعلوماتية, وفي طريقها إلي الأحدث, ونحن وقوف عند خطط عقيمة منذ عشرات السنين من أجل تعليم الناس مبادئ القراءة والكتابة, حتي حصدنا أشكالا من الأمية غير مسبوقة:( أمية القراءة. أمية الثقافة. أمية السلوك. أمية.......), وهكذا وكأننا ضاحية في القرية الكونية خارج حدود الزمن أو ضاحية متحفية تعيش كهوف الفكر والعالم كله أو كل ضواحي القرية تنهي ألفيتها الثالثة بكل تقنياتها ومعلوماتها..!!. إننا نعيش معادلة أعتقد أنها الأعجب في التاريخ, فمن الوجهة الرسمية نستجلب مشروعات متقدمة و استثمارات واعدة, بينما آلة التعليم عندنا تفرز عقليات خارج حدود العصر نتيجة مناهج دراسية عقيمة أعلنت الدنيا وفاتها منذ عشرات بل مئات السنين فصدقت قولة الشاعر:( إذا المرء أعيته المروءة ناشئا/ فمطلبها كهلا عليه شديد), أجيال تحمل مؤهلات كأنها الطبل الأجوف يسمع من بعيد ولا شيء فيه من قريب, وإذا جالستهم في حلقات نقاش يخيل إلي ولعلي أكون مخطئا- أننا جهلنا حتي شعبنا من الجهل, فاين هم من الحكمة:(من يملك المعرفة لديه كل شيء), ألم يفضلنا الله علي جميع الأمم بأفصح لسان وهبنا به تراثا فكريا حافلا يحفز علي القراءة, لكنها جريرة حكومات لم تهتم بالمدارس وأجهزة البحث خاصة ما يعين علي فهم لغتنا ومفرداتها و أصواتها, حتي المدارس الخاصة و جامعاتها لا تهتم باللغة العربية فأصبحنا نمتلك رصيدا ضخما من الألسنة تجيد معظم لغات الدنيا عدا لغتنا!!, ولذا ازدحمت( أم الدنيا) بالمثقفين الغرباء أو الغزاة أو المزيفين, يعرفون كل شيء إلا تراثهم وتاريخهم ولغتهم وتقاليدهم, وهذا أخطر علي الأوطان من الإرهاب, أخطر علي الأوطان من غزو الجيوش.!!. فمن يصدق أن( أم الدنيا) طوال أكثر من سبعة عقود ظلت تحت وطأة المستعمر الانجليزي, ومع ذلك هذه العقود كانت أكثر نتاجا فكريا وعددا من المفكرين والعظماء.!!. لذا, فإن كل مشاريع التنمية مهما بلغت المدي فلن تؤتي ثمارها مادامت العقول لا تقرأ ومشاريع الأفهام مغيبة, فالعلم سبيل الحياة الكريمة, ولا أدري لماذا لا نتحمس لحماية عقلنا؟! أجيال ضاعت وانفرط عقد انتمائها وماتت أحلامها التي كانت تحفزها في الصغر لترتطم في الكبر بعبث المسئول الذي لم يخطط, وبعد: فالناس اثنان: راج وخائف فلا الراجي خائب الأمل ولا الخائف بعيد الأجل.!. فالسخافة نافقة والحكمة ضائعة, وإلي الله المشتكي.!!.