ليس من المقبول ولا من المعقول أن نظل نضحك علي أنفسنا وعلي الناس، ونقول إننا نعمل علي محو أمية المصريين.. فمنذ مطلع الستينيات وحتي اليوم.. خطط وبرامج وهيئات لتعليم الكبار ومحو أمية الصغار، وموازنات، وسفريات وسيارات ومكافآت، ومنح من أجل محو أمية 27% من المصريين، لكن النتيجة.. أننا أمام أمية متوحشة، متزايدة ومتصاعدة، تسكن الآن رؤوس 17 مليون مصري، لا يعرفون القراءة ولا الكتابة! رئيس هيئة تعليم الكبار ومحو الأمية الدكتور رأفت رضوان، حاول الهروب من مواجهة القضية، ليقول إن معظم الأميين هم من الكبار.. والحقيقة أن هناك نحو 40% من المنضمين للتعليم الأساسي يتسربون سنويا، طبعا لأسباب اقتصادية، يعملون، ويبيعون المناديل، ويتسولون في الدنيا كلها. لا أحد يستطيع أن يحسم قضية التعليم الأساسي، لأن التعليم في مصر "ما بيأكلش عيش"، والدليل نسبة البطالة المتصاعدة في مصر، والتي طالت الحاصلين علي المؤهلات الجامعية وأصحاب المؤهلات المتوسطة، وهؤلاء أزمتهم مؤلمة.. فالأميون لا يجدون حرجا أو غضاضة في أن يعملوا أي شيء، ولذا لم يصعب عليهم أن يرتدوا البدل الخضراء.. والوقوف في الإشارات وتقاطع الطرق والشوارع المزدحمة، ممسكين "بمكنسة" غاية في القبح.. يتسولون بها. هل من المعقول أن يكون هذا حالنا ونحن أول أمة علمت الدنيا حروف الكتابة؟!.. وهل من المعقول أن نكون أول أمة علمت الدنيا صناعة الخبز، وزراعة الأرض، وهندسة الري، وتخزين القمح، ونبغت في اختراع الآلة والعجلات الحربية.. ثم نأتي اليوم لنكون دولة ذات شأن قبل في نسبة أعداد الأميين!! الأميون في بلادنا يدخلون التجنيد في معسكرات الأمن المركزي التابع للشرطة، ويخرجون كما دخلوا، لا تعليم ولا قراءة ولا كتابة.. لماذا ونحن في فترة تحتاج إلي تنمية وتطوير القدرات والطاقات الإنسانية لكل المصريين.. حقيقي إني لا أعرف سببا مقنعا لهذه الحالة المأساوية. المؤكد أن الناس تعمل بما يجعلها تكسب، والأكيد أن التعليم لا يزيد من مكاسب الناس، ولن يفتح لهم فرصة عمل ولن يزيد دخلهم، إننا في وطن يمنح حملة الماجستير جنيهين علاوة.. وحملة الدكتوراه أربعة جنيهات.. أليس هذا دليلا دامغا علي تدني أحوال المتعلمين والعلماء في بلادنا؟! الآن فهمت!.. لماذا يهتف البعض "تحيا الأمية ويعيش الجهل".