يواصل الإنسان نهجه في التجديد مصدرا نغمة تشبه تلك التي تصدر من غور بعيد, هي هفوات علي نحو ما من الأنحاء, لكنها في ذات الوقت لغه من لغات العاشقين وخصائصها قالب شعر كقالب حلوي لدي الصانع من زبد وسكر وشهد مصفي, اليوم هو وليد الأمس قريبة وبعيدة وفي التوقيت نفسه جنين الغد القريب ولا شك انه كذلك للبعيدة فذلك تاريخ الانسانية منذ الأزل وندعي انه التواصل المعبر عما يؤمن به من موروث ديني وفكري وثقافي, فالعربي سماته تصل به إلي حد اليقين حين يعبر روافده الثقافية ويلجم العجم بفصاحته وقوة أدائه اللغوي والفكري وهو حين يخاطب عصره من فوق منبر الشعر يكون بين الناس, يعرف جليسه ويؤخذه إلي ضفاف النهر متي شاء وكيف أراد, قال الشاعر أحمد اللاوندي مرة إننا حين نسمع شاعرا قد أتي بمفرده عبقرية وضعها في شعره يأخذنا الاعجاب ونبتهج اذ كيف له نحتها وخزفها وترصيعها ونظن ان في ذلك سهولة وياللعجب لا تأتي البديهة ولا الفصاحة مثلها ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا, هذا هو الشاعر المرهف الملهم الذي تحركه التلقائية والطبيعية بأقل كلفه وبطاقة النغم والموسيقي والباحث يري الدقائق وخفايا الصور النفسية من ظلال ومال, يتأمل بعين الناقد فاحصا مدلول الكلمات الفرحة والحزينة والنغم الصادر من أشجان القلب, اكان غناء أو نوح وتراتيل بكاء.. هكذا الشاعر ينظم أي وقت شاء منتظرا ومنتصرا للحظه تمكين خاصة تجعله يخرج من روحه الوثابة أملا عظيما في تحدي العجر الانساني وظروف القهر, كيمياء العبارة في مفعولها علي قوة العقل أكبر من شعوذة السحر ومقويات التغذية أو الأدوية المعالجة للاكتئاب هل فهم القوم تلك الكلمة التي تخرج من أفواه الناس لحظة إنشاد الشاعر لآخر تجليات فنه المتجدد العطاء.. الله الله قول كمان, هل انتهي زمن المجدد المبتكر غزير الإنتاج متعدد المواهب الذي يعود بك لمصفاه التراث العربي الشعري كلما تصورت أن ينبوع قول الاهة قد خف وجف وان الفن القولي اصبح اسطورة في مواجهة الفن البصري أو التمثيلي, ألا نجد في ديوان شعر ذلك الإنسان ذو البصري أو التمثيلي, ألا نجد في كل ديوان شعر ذلك الإنسان ذي الطاقة الخلاقة بغير حدود او قيود التي تتزوق معها لذة تساوي حواس الشم والتذوق والرغبة والشهوة وحتي الشره, من أين جاء ديوان لغة العاشقين للشاعر خليل عبدالمجيد الصادر عن دار سنابل للكتاب هذا العام بكل هذا البناء الشعري, يهمنا ان نشرع في الإجابة التي تتبادر إلي الذهن جزءا منها بينما تتخفي الأجزاء الأخري في تضاعيف القصائد والأبيات قال الشاعر خليل في قصيدة عابر سبيل, أول كلامي ناديت ياليل, هاعبر جبال الصعب فوق خيال المستحيل, واقول يا نيل..؟! ها هو يندفع مباشرة في التعبير عن التجربة معتمدا علي الموسيقي التقليدية التي تنتج عن إيقاع الكلمات حتي ينتهي إلي قول: دا البال طويل.. والباع طويل, وان جرحي طاب هقدر أشيل, بس اللي عاوز تعرفوه, لو تنفصل عن جسمي راسي ادفنوه, وعلي قبري.. اسمي اكتبوه عابر سبيل هي تعبيرات مباشره عن فورة عاطفية كامنة ومدخرة في أعماق الشاعر وهو مهيأ لتفريغ شحنة نفسية في قصيدة أيوه أنا فلاح( فلاح ودمي حامي وطبعي حر, صامد ولحمي في الحقيقة مر) احساس الجدية ادي إلي اكتشاف الشاعر لذاته الإنسانية وانتماءاته الحقيقية( وانا في بيتي البسيط كأني جوا صرح, ملك متوج لكني من المساكين فلاح وزارع أرضي بالأحلام, أصل البساطه في قربنا م الطين) العزله فضيلة الشاعر الكبري يلجأ اليها ليكون مفكرا منطويا علي ذاته الشعرية ليخرج لنا تفاعيلها. علي نفسي انا باجي, عشان ما اكسرش خاطر حد, انا معرفش ليه ساكت, لازم انطق وما في بد, اكيد لازم اخذ موقف, ما هي الدنيا, صد ورد) وتتأكد مصداقية التوجه في ربط الذات بالواقع عبر ما يتسق من الترابط المنطقي( أنا التاريخ لكن منسي, لأن ضميري ما بينمشي, أنا تاريخ وافكركم!! ومين فيكم ما يحملشي...) حتي يصل إلي يقول( أنا كونت افكاركم, انا شعري اللي حرركم, انا صحيتكوا م الأوهام, أنا لو جيت علي بالكم, تحنوا لأجمل الأيام..) بغير شك حدود النقل المباشر من خيال الشاعر الفنان تتجاوز قدرة هذه الكلمات علي استبعاده من العمل في الشعور لدي المتلقي فهو كائن وهو زئبقي بلا ملكة يمكنك الامساك به فيها وانت تحس( رومانسيته الواقعية) الا انك ايضا تلمس( انطباعات الرمزية الغامضة) فيه( ارجوكي لا تتأثري, وانفضي, الم السكوت, اوعي بحروفك يا كلمة تجرحي, وإبني بدل البيت بيوت, اسرحي ف الحلم يكمل منظري واوعي تكوني سكينة تلمه وتدبحي, إحساس بريء, وافرحي دا المشاعر الصادقة جدا عموما, ابدا تموت!!) فعاليه الذات الانسانية هنا قد نشطت فأوجدت روابط بين سكينة الحروف وذبحها للإحساس البريء وتحت وطأة( ميتافيزيقا) التصور وإعماله في الرمزية نستشعر خيوطه وخطورته التي استبانت من التراكيب اللغوية المصاغة وهي حقا جمعت بين مدارس ثلاث( الواقعية, الرمزية, الرومانسية) وهذا في نظري نقلة نوعية في شعر العامية( ويا المعشوقة ليه قافلة في وشي الباب, وليه بتصدي أحبتبك, وبتردي علي الأغراب..) هذا التشاؤم ليس علي الاطلاق بل هو ألم متشعب التوجهات يمكن ان نطلق عليه( صدمة الظرف) والتي جعلت الشاعر يئن ويطرق كلماته( فشل تجربة الحب) وتلك هي محور قصيدته مانيش قايل ف حبك تاني أي كلام...؟! كذلك قصيدة واحد مشوش وعامل دماغ, لجل ينسي اللي خان واللي باع..؟! وعلي رأي مثل قديم لا بحبك ولا قادر علي بعدك, تلك الحالة المسيطرة علي الشاعر خليل عبدالمجيد التي تمثل تناقضات الحياة والتي تحاول ان تتذرع بالشجاعة الكافية لمواجهتها, وقد لا تستطيع..؟! القدر بالاضافة لأشياء أخري من فن البساطة وابتكار المعاني( مثل ساكن ف قلبك بإيجار قديم) هو محور ديوان شعر لغة العاشقين لخليل عبدالمجيد والذي صدف أنه في التضاعيف يسأل عن حقائق ملغزة في معادلة صعبة بين الملهاة والمأساة وهذه هي المحنة وقد لا نجد الجواب( بين قوسين) أو( بالدموع والخوف) أو نشعر ان الموضوع( نكتة سخيفة) وها انا اقول مثله( محدش فيكو ينكشني) فقد صارت( أوجاع المطحونين)( أزمة تفوت)( من قلب كان بيحب).