عرضت في مقالي السابق كيف تمكن هيرتزل من عقد أول مؤتمر صهيوني عالمي, وفيه تحددت الأنشطة التي سينفذ بها العودة الي فلسطين, وعلي ذلك تحددت الغاية الصهيونية في خلق وطن للشعب اليهودي في فلسطين ولا غيرها بالوسائل الآتية. العمل علي استعمار فلسطين بواسطة العمال الزراعيين والصناعيين اليهود..تنظيم قوي اليهود العالمية وربطها بواسطة منظمات محلية ودولية تتلاءم مع قوانين كل دولة..تدعيم المشاعر اليهودية وتقوية الوعي القومي اليهودي وإحياء اللغة والثقافة العبرية..اتخاذ الخطوات التمهيدية للحصول علي التأييد الضروري لتحقيق غاية الصهيونية..السعي للحصول علي تأييد دولة كبيرة دائما مع الاستفادة بالظروف الدولية. بدأت فكرة العودة إلي صهيون تتحول إلي حركة صهيونية سياسية عالمية تسعي إلي إنشاء العلاقات مع الهيئات السياسية الأخري, وخلق الاتصالات مع الحكومات المختلفة, وتحاول تنظيم اليهود وتنمية روح التعصب العنصري وشحن معنوياتهم بالآمال العريضة والرؤي الزاهية لأرض الميعاد, وأحاطت نشاطها بغلاف من الكتمان والتمويه خشية أن يؤدي اكتشاف المخطط الصهيوني إلي ردود فعل عالمية قد تسبب في تعثره, حيث تميزت هذه النشاطات بالاتصالات التي قام بها هيرتزل مع ملوك ورؤساء الدول المعنية والمسيطرة علي فلسطين للحصول علي حكم ذاتي لليهود في فلسطين, وباءت بالفشل وتعددت المطالب والوعود والأراضي المقترح لإقامة الوطن القومي لليهود فيها وتم رفضها جميعا والإصرار علي فلسطين وذلك في المؤتمر الصهيوني السابع عام1905 بعد وفاة هيرتزل عام.1904 استمر النشاط السياسي اليهودي دائرا في غرب أوروبا ولكن في شرق أوروبا كان هناك نشاط من نوع مختلف عكس آثاره المباشرة علي أرض فلسطين ففي عام1903 ظهرت بوادر موجة جديدة من الاضطهاد ضد يهود روسيا حين بدأت التيارات الثورية والمبادئ الاشتراكية تنتشر بين الشباب اليهودي ليتجمع في حركة يهودية جديدة سميت( أم عيل صهيون) أي(عمال صهيون) تدعو إلي أفكار صهيونية متطرفة ترتكز علي مبدأين هما:الهجرة إلي فلسطين والاستيطان بالعمل والدفاع عنه..تحقيق العدالة الاجتماعية للشعب اليهودي. أثمرت جهود اليهود ونشاطهم السياسي عن موجة جديدة للهجرة اليهودية إلي فلسطين( العلياه الثانية) عام1904 واستمرت عشر سنوات وكان لفشل الثورة الروسية الأولي عام1905 وزيادة الاضطهاد لليهود أثره المباشر علي يهود شرق أوروبا خاصة من شباب أحباء صهيون الذين تفتحت عقولهم علي التطلعات العنصرية وعلي آمال القومية اليهودية, لذلك كان معظم أفراد هذه الموجة الجديدة من الشباب الصهيوني المتعصب والمتفتح سياسيا ومن أصحاب فكرة البعث القومي الاجتماعي, والذي انحصر في ثلاث فئات رغم اختلاف مفاهيمها السياسية العامة إلا أن طابعها العنصري وحد بينها في العمل والمشاركة في النشاط الصهيوني الإنشائي في فلسطين حيث وفر المجال العملي لبناء المجتمع الصهيوني باعتباره أول مستلزمات الوطن القومي والدولة اليهودية, وكان من نتيجة ذلك الاشتراك في تكوين منظمة( هاشومير) الحارس وإنشاء صندوق عمال أرض إسرائيل وهذه الفئات هي:جماعات من شباب صهيون نادوا بإيديولوجية قومية تأثرت بالآراء الاشتراكية التي اعتنقها حزب العامل الشاب( هابوعيل ها تسعير) والذي أسس عام1905 في فلسطين بمناسبة عيد الأعراش..جماعات من عمال صهيون تأثروا بالأفكار الماركسية ويتطلعون إلي حضارة قومية دنيوية وهي التي أسست فرعها كحزب بفلسطين عام..1906 شباب غير حزبي ولكنه متحمس لأفكار اشتراكية أخري ومتعصب لفكرة(الوطن القومي اليهودي). وبذلك نجد أن المؤتمرات الصهيونية من المؤتمر الثاني إلي المؤتمر الثامن وموجة الهجرة الثانية(العلياه الثانية) عام1904 والعلياه الثالثة عام1919 وكذا العمل علي تنفيذ القرارات الصادرة عن المؤتمر الصهيوني الأول ومتابعة تنفيذها في المؤتمرات التالية هي أهم معالم هذه الفترة..وإلي اللقاء القادم. مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا