في المكتبات العامة ودور البيع, توجد الأعمال الأدبية علي الأرفف في انتظار قرائها ولكن عندما لا يأتي القراء, ألا يجب علي الكتب أن تخرج وتبحث عنهم بنفسها ؟! البعض يعتقد بضرورة ذلك فإذا كان الأدب غذاء العقل, فإن الناس عادة ما ينشغلون عنه بالبحث عن غذاء البطون أو يهدرون الوقت فيما لا يفيد علي الفيسبوك وأخواته من هنا وجب علي الكتب أن تنتزع الاهتمام بأن تكون متاحة في غير أماكنها التقليدية, في المقاهي والمطاعم, علي الطرقات أو في عربات المترو. وتبحث الكتب عن قرائها بطرق مبتكرة, ففي مدينة منيابوليس الأمريكية مثلا تعاقدت دار نشر مع سلسلة مقاه لطبع مقتطفات من قصص قصيرة لمؤلفين محليين علي الأكواب الورقية التي يبيعون فيها مشروباتهم للزبائن. وفي بريطانيا, يجري بنجاح علي مدي ثلاثين عاما مشروع أشعار لندن, وفيه تعرض مختارات من الشعر علي جدران محطات المترو وداخل العربات ليس للإعلان عن الكتب الجديدة, ولكن لإتاحة الإبداع الأدبي لأكبر عدد ممكن من الناس علي اختلاف درجة تعليمهم وثقافتهم, ولتصحيح الاعتقاد الخاطئ بأن تذوق الشعر مقصور علي نخبة محدودة العدد وانتقلت الفكرة إلي عدد من محطات المترو الأمريكية بعد أن وجد الركاب ممتعة كبيرة في قراءة أبيات الشعر أثناء الانتظار علي رصيف المحطة أو خلال الانتقال من مكان لآخر. ولترويج عادة القراءة بين ركاب المواصلات العامة أيضا, قامت دار نشر في ساو باولو البرازيلية بتوزيع طبعات شعبية من الروايات الرائجة يحتوي كل منها علي عشر تذاكر مترو مجانا عند المحطات وعندما أقبل الناس علي قراءة هذه الكتب, تم تعميها في مدن أخري وفي مطلع العام الحالي قامت إحدي دور النشر في مدينة جرينوبل بفرنسا بوضع ثماني ماكينات آلية علي غرار تلك التي تبيع المشروبات والمأكولات الخفية في أماكن متفرقة من المدينة بحيث يمكن لأي شخص من المارة أن يحصل علي قصة قصيرة مجانا ما عليه إلا أن يحدد طول القصة التي يتسع وقته لقراءتها, ثم يضغط علي زر خاص, فتقوم الماكينة بطباعة القصة المناسبة له. هذه الفكرة سبق تنفيذها بطريقة أخري في مدينة شيكاغو الأمريكية عندما وضع في سوق تجارية جهاز خاص يمكن من خلاله مقابل خمسة دولارات فقط اختيار أي ديوان شعر وطبعه في عشر دقائق. أما أكثر التجارب طرافة فجرت في الأرجنتين وعرفت باسم أسلحة التثقيف الشامل. استوحاها فنان يدعي راؤول ليميسوف من حرب جورج بوش علي العراق بحثا عن أسلحة الدمار الشامل. فجاء بدبابة وزودها بأرفف من كل جانب, وعرض فوقها أكثر من تسعمائة كتاب, وراح يجوب شوارع العاصمة يوزعها مجانا علي الراغبين. وإذا كان مألوفا أن تستضيف المكتبات الأدباء كي يقرأوا مقتطفات من مؤلفاتهم, فقد نقلت مجلة أدبية تصدر في لوس أنجلوس هذه المناسبات الثقافية إلي ناصية الطريق بما أثار فضول المارة فتوقفوا للاستمتاع بجانب من هذه القراءات والتعرف علي الأدباء. خبراء التسويق يقولون إن الحملات المجانية لنشر عادة القراءة بين الناس ستعود إن عاجلا أو آجلا علي دور النشر بمكاسب مادية. سبب ذلك حقيقة يعرفها جيدا عشاق الكتب, وهي أن القراءة نشاط فكري يتحول مع الوقت إلي إدمان. لكن الملاحظ أن الدافع الأهم لدي المؤلفين المشاركين في هذه الحملات هو أن تصل أعمالهم إلي أيدي القراء ولو مجانا. فما قيمة كتاب بدون قارئ؟!