عندما تم إطلاق البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة في سبتمبر الماضي, لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع ذلك الإقبال الهائل من الشباب علي التسجيل للالتحاق به إذ بلغ عدد الذين ملأوا الاستمارة الإلكترونية60 ألفا في ساعات معدودة مما يدل علي تعطش الشباب إلي العلم والتدريب. واليوم بعد مرور ما يزيد علي4 أشهر, وجب علينا متابعة وتقييم ما تم تنفيذه حتي الآن علي أرض الواقع من هذه المبادرة التي تعد بالكثير: كيف تم اختيار الشباب الذين سيلتحقون بأول برنامج؟ متي سيتم البدء في تلقي التدريب؟ ما الذي يتوقعونه بعد التخرج؟ وما الذي تتوقعه الدولة منهم؟ كم أنفق من الميزانية المخصصة حتي الآن؟ الدكتور خالد حبيب الذي صمم البرنامج والمشرف علي تنفيذه يجيب علي هذه التساؤلات في الحوار التالي: كيف تم اختيارك لهذه المهمة؟ ولماذا؟ لا أعرف حتي الآن من الذي قام بترشيحي للمهمة وهذا شيء جيد يدعو للتفاؤل من وجهة نظري, لأنه يعني ببساطة أن الدولة تخلت عن الاستعانة بأهل الثقة وانتقلت إلي أهل الخبرة.. فأنا رغم تخرجي من كلية الهندسة قسم مدني إلا أن شغفي بعلوم التسويق والإدارة جعلني أتجه لدراسة الموارد البشرية وإعادة الهيكلة حتي تقلدت عدة مناصب قيادية في شركات عالمية ثم أصبحت مستشارا دوليا في مجال إعادة هيكلة المؤسسات وقمت بالفعل بإعادة هيكلة وتطوير60 شركة ومؤسسة محلية وإقليمية, كما قدمت تدريبا وتأهيلا لآلاف المدراء في المنطقة حتي حصلت علي شهادة الدكتوراه في فض المنازعات في الشركات المتشابكة... أعتقد أن كل هذا أهلني لتصميم البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة رغم أنني لم أكن يوما مقربا للدوائر السياسية ولا التقيت السيد الرئيس. ما الذي يهدف إليه البرنامج بالضبط؟ البرنامج يهدف إلي تطوير قدرات الخريجين وتعليمهم مهارات التفكير الإبداعي وعلوم الإدارة والتشريع والإعلام والحكم المحلي والتوجهات الإستراتيجية والأمن القومي وكل ما يحتاجونه ليكونوا محترفين في أي عمل يقومون به, بهدف إصلاح منظومة العمل الحكومي. الحكومي.. هل تقصد أن هؤلاء الشباب سيتم توظيفهم في الحكومة؟ لا.. لن يتم توظيفهم أساسا.. نحن لا نعد بتوفير وظائف, لكن نعد من سيحصل علي هذا البرنامج التدريبي الشامل بأنه سيصبح مسلحا بأحدث العلوم النظرية والتطبيقية بحيث سيتهافت عليه أرباب العمل, والأولوية طبعا للحكومة التي أنفقت علي هذا البرنامج التدريبي ولأن إصلاح الأداء الحكومي يبدأ بموظف محترف. لكن اسمح لي: اسم البرنامج تأهيل الشباب للقيادة يوحي بأنكم ستؤهلون الشباب لمناصب قيادية, وهو ما دفعهم للالتحاق بالبرنامج... هل تداعبون أحلام الشباب؟ بالطبع لا.. نحن بالفعل نهدف لتأهيل الشباب للقيادة وهذا يختلف تماما عن تولي المناصب القيادية, المفهوم الصحيح للقيادة هي القيادة بدون سلطة قد يكون مشرفا بسيطا علي ثلاثة عمال أو حتي قائدا بلا منقادين, المهم أن يتعلم قيادة العمل. وهل اخترتم اسم البرنامج الرئاسي لجذب الشباب أيضا؟ المبادرة انطلقت من الرئاسة فعلا, وكل الدعم الذي نتلقاه هو من الرئاسة مباشرة... ولا أحد ينكر أن البرنامج يستمد القوة من تبعيته للرئاسة التي تحرص علي تذليل العقبات وتعمل علي تضافر كل الجهات مثل المكتب الإعلامي ووزارة الشباب والرياضة وحتي استغلال إمكانات القوات المسلحة من أجل إنجاح البرنامج. مرت4 شهور علي إطلاق المبادرة وتسجيل الشباب, ما الذي تحقق مما كان مخططا له حتي الآن؟ نحن نسير بخطي جيدة وأستطيع القول إننا حققنا80% مما كان يجب أن يتحقق, وهي نسبة جيدة جدا في ظل المعوقات الطبيعية الناتجة عن الظروف الاقتصادية والسياسية التي مرت بها البلاد ما هي أهم تلك المعوقات التي تواجه برنامجا رئاسيا؟ هي معوقات تتمثل في عدم القدرة علي الاستعانة بالكفاءات العالية جدا التي تتناسب مع أهمية البرنامج لأننا سنصطدم بقانون الحد الأقصي الذي لم أجد له مثيلا في العالم كله يقيم الموظف بما يؤديه من عمل وإنتاج, فهذه المناصب القيادية المهمة لا يتولاها إلا من خرجوا علي المعاش لأنهم تحت سن المعاش لن يقبلوا بما يسمي الحد الأقصي... من المعوقات أيضا الروتين الذي نصادفه من الرقابة المالية علي كل جنيه يتم صرفه مما يضيع وقتا ومجهودا, حتي الأماكن التي نحتاجها لتقديم التدريبات يحتاج الحصول عليها إلي موافقات وتصاريح ووقت وجهد, الشيطان يكمن في التفاصيل الصغيرة ونحن نفتقر إلي الهيكل التصاعدي للإدارة مثل الذي يميز القوات المسلحة ويجعلها الأسرع إنجازا, مما يجعلنا نلجأ إلي الإدارة الموازية كأحد الحلول في غياب المنظومة الأصلية. ولماذا لا تبادر الرئاسة بالتصدي لهذه المعوقات؟ علي العكس... تبادر بتقديم الحلول وتذليل العقبات, ولا تتأخر في تنفيذ ما نطلبه ولولاها لما تقدمنا تلك الخطوات التي وصفتها بالجيدة, بالإضافة إلي أن حديث السيد الرئيس والمكتب الإعلامي للرئاسة إيجاب عن هذا البرنامج إنما يعرقل المعرقلين ويكفينا كثيرا من شرورهم, في رأيي أن هناك طريقين للتغيير: الجذري الثوري السريع الصادم مثل ما كان عبد الناصر يتبعه في قراراته وهو ما كان ملائما في وقته, والطريقة الثانية هي التغيير البطيء عن طريق الإحلال والتبديل وهو الطريق الأصعب والأطول الذي اختاره السيسي لكنه الأنسب في الوقت الحالي لذلك أري أن ما حققناه من نتائج حتي الآن مناسب جدا رغم أننا كان يمكن أن نحققه في شهر واحد. كم هي الميزانية التي رصدت لهذا المشروع؟ وكم أنفقتم منها حتي الآن؟ تم رصد20 مليون جنيه سنويا للبرنامج من صندوق تحيا مصر, وما أنفقناه حتي الآن ونحن علي وشك بدء التدريب هو رقم يكاد لا يذكر وهذا يرجع إلي أن الجزء الذي أنجزناه هو في معظمه يعتمد علي فريق المتطوعين الذين يعملون علي هذا البرنامج بدءا من المشرف العام الدكتور طارق شوقي ودينا برعي مسئولة التقييم ومني الطوبجي المسئول التنفيذي والدكتورة هالة السعيد عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وأنا مصمم البرنامج. وهل يجدي أن تعتمد الدولة علي الجهد التطوعي في مشروعاتها الطموحة مثل هذا البرنامج؟ في المشروعات المستديمة طويلة الأمد لا يجب أن تعتمد الدولة علي الجهود التطوعية طبعا بل يجب أن تنفق بسخاء علي الجهد البشري لتحصل علي أعلي نتيجة, لكن لا بأس في البرامج الوقتية أن يساهم ذوو الخبرة بعلمهم دون مقابل فهو نوع من رد الجميل للمجتمع, وبالنسبة لي شخصيا فأنا أري ميزة إضافية في عملي التطوعي هي أنني أشعر بالاستقلالية التي تجعلني أفعل وأقول ما أؤمن به فقط. لماذا لم يطرح هذا البرنامج للشركات أو لرجال الأعمال الذين سيستفيدون منه, لتمويله؟ هذه فكرة جيدة يمكن اتباعها في دورات مقبلة بعد أن يروا بأعينهم المنتج الجيد, فهم سيحرصون علي الحصول علي المزيد منه وفي هذه الحالة سيسارعون لتبني هذا البرنامج من تلقاء أنفسهم مثلما يحدث في ألمانيا حيث يوجد لديهم نظام اسمه النظام التعاوني تقوم فيه الشركات الكبيرة بالإنفاق علي الدفعات التعليمية مقابل الاستحواذ عليهم بعد التخرج. كيف صممت هذا البرنامج التدريبي الشامل؟ وبأي معايير؟ البرنامج تم تصميمه بأعلي المعايير العالمية وهو يضاهي ما تقدمه البرامج المماثلة في جامعة هارفارد, يكفي أن أقول إنني التقيت أستاذا أمريكيا قدم برنامجا مماثلا للحكومة الأمريكية لكي نتبادل الخبرات فاكتشفت أن ما صممته لا يقل عن برنامجه ولم أستفد من لقائه شيئا.... أنا أعتبر هذا البرنامج كأنه ماجستير مصغر فهو يتيح للدارس خلال ثمانية أشهر مكثفة تلقي كل أساسيات العلوم المختلفة التي ذكرتها سابقا, ولا يكتفي بالجانب النظري بل يعتمد علي تطبيق كل المحاضرات بشكل عملي في الشركات والهيئات والمؤسسات حسب التخصص, كما أنه يشترط علي الدارسين قضاء30 ساعة في عمل تطوعي وخدمي وإبداعي خلال الدراسة مثل المعمول به في النظام السويسري, كما سيتم خلال الدراسة تقديم نماذج ناجحة لهم في كل المجالات ليتعرفوا علي أسباب نجاحهم كنوع من التعليم غير المباشر, وفي النهاية يقدم كل شاب مشروع تخرج يكون قابلا للتطبيق... ولا يفوتني هنا أن أنوه إلي أن هذا البرنامج المكثف يكلف الطالب الواحد في الخارج100 ألف دولار بينما نقدمه نحن بالمجان بدعم من الدولة. من الذي سيقدم هذا التدريب للدارسين؟ مصر مليئة بالكفاءات وتم ترشيح عدد كبير ممن يصلحون لهذه المهمة من قبل المكتب الرئاسي والجامعات ومراكز التدريب, وأصبح لدينا قائمة جاهزة سنختار منها خلال أيام60 مدربا سيتم تأهيلهم ببرنامج سريع حتي يقدموا التدريب بالمعايير المطلوبة, علي أن ينطلق البرنامج في دورته الأولي في فبراير المقبل. كيف تم اختيار الدارسين من بين عشرات الآلاف من المتقدمين؟ بالفعل فاق عدد المتقدمين كل التوقعات, فبمجرد الإعلان عن بدء التسجيل حتي سارع آلاف الشباب إلي التسجيل ليصل العدد في ساعات إلي60 ألف مرشح, تم تنقيحهم أوتوماتيكيا وفق الشروط ودون تدخل بشري فوصلوا إلي5 آلاف خضعوا لاختبارات في اللغة العربية تقيس قدرتهم علي التفكير والتعبير, وفي اللغة الإنجليزية تقيس قدرتهم علي فهمها والتعامل بها, ثم اختير أفضل1000 مرشح تم عقد اختبارات شخصية لهم لنختار منهم ال500 دارس الذين يمثلون الدفعة الأولي في البرنامج وسيتم إعلان أسمائهم قريبا, علي أن يفتح باب القبول كل شهرين لاختيار دفعة جديدة بالكيفية نفسها. هذه الطريقة في الاختيار ستجعل خريجي التعليم الخاص يستحوذون علي كل الأماكن لأنهم بطبيعة الحال تلقوا تعليما أفضل... كيف تفاديتم هذا؟ راعيت في تصميم البرنامج أن يعطي نقاطا أعلي لخريجي التعليم الحكومي إذا ما تمت مفاضلتهم بنظرائهم من خريجي التعليم الخاص, ليس تحيزا لهم لكن عندما يتلقي شخص تعليما أقل فيجيب بمستوي من تلقي تعليما أفضل, يعطي هذا دلالة علي أن إمكاناته أفضل ويجب مراعاة ذلك في تقييمه. وأبناء المحافظات والأقاليم.. هل كان لهم نصيب كاف؟ ستندهشين مثلما اندهشت عندما لاحظت ارتفاع المستوي الثقافي لدي شباب المحافظات عن نظرائهم من شباب العاصمة وأكثر من ذلك فوجئت أن مستوي اللغة الإنجليزية لديهم لا بأس به بينما يتميزون في العربية عن قرنائهم, لذلك حازوا نصيبا جيدا من الأماكن. لاحظت أن كل من ذكرتهم من الفريق المشرف إما حصلوا علي تعليمهم في الخارج أو عملوا في دول غربية, ألم يكن من الأفضل الاستعانة بعناصر أقرب للشباب ولسوق العمل؟ قد يكون هذا صحيحا لو أننا لا نحمل إلا خبرات أجنبية, سواء في التعليم أو في العمل... لكن الحقيقة أننا كلنا لدينا خبرة كبيرة في السوق المصرية, فأنا اتمرمطت في السوق المصرية حتي أثناء عملي مع شركات أجنبية, والدكتور طارق شوقي رغم عمله في اليونيسكو إلا أنه عمل كثيرا في الأماكن المهمشة والأكثر فقرا, ودينا برعي تعمل في مركز التعليم المستمر في الجامعة الأمريكية وتتعامل مع الدارسين من جميع الطبقات... أعتقد أن الخبرات المزدوجة التي يحملها كل منا هي ميزة مضافة للبرنامج وليس العكس. في الفترة الأخيرة انتشرت البرامج التأهيلية والتدريبية للشباب ولم تعد قاصرة علي تعليم الإنجليزية والكمبيوتر, ما الفرق بينها وبين ما تقدمونه؟ بالفعل أصبح موجودا حاليا مراكز للتدريب وتعليم المهارات المختلفة, لكنها تقدم من كل بستان زهرة أو تقدم تخصصا واحدا... لكن البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة هو برنامج متكامل يقدم كل ما يحتاجه الدارس ليتحول إلي شخص محترف في أي مجال يعمل به, من المتقدمين لبرنامجنا خريجو طب وهندسة ولدينا أيضا معلم سباحة كل واحد سيتعلم كيف يؤدي مهنته باحتراف.... هذا بالطبع لا يقلل من أهمية وجود المراكز الأخري بل إنني أراها شيئا نافعا وإيجابيا أتمني انتشاره أكثر. قلت أن البرنامج لا يعد بتقديم وظائف... هل ينتهي دوركم نحو الدارس بمجرد انتهاء الدراسة؟ سنقوم بالاحتفاظ بقاعدة بيانات للمتخرجين نقدمها لمن يحتاج من الشركات, كما سنهتم بمشروعات تخرجهم وتقديمها للجهات المختصة للاستفادة منها ومن أصحابها, هذا غير الاحترافية التي نقدمها له وتجعله مؤهلا للعمل في أي مكان. ماذا تقول لشباب مصر من واقع خبراتك ونجاحاتك؟ أقول لهم لا تصدقوا من يقول إنه لا توجد فرص للعمل, البلد مليئة بالفرص في كل المجالات والدليل علي ذلك أنني كنت أتعاون مع مجلس التدريب الصناعي التابع لاتحاد الصناعات, وكنا نحتاج إلي40 شابا لتدريبهم وتأهيلهم ويحصلون علي2000 جنيه شهريا أثناء فترة التدريب, فلم نجد.. لجأنا إلي قاعدة البيانات وحصلنا منها علي أرقام الشباب وتواصلنا معهم فلم نجد راغبين... لجأنا إلي المدارس الصناعية نطلب أوائل الخريجين ولجأنا إلي الشركات التي تورد العمالة للمصانع, وبعد6 أشهر حصلنا علي16 متدربا. لذلك أقول للشباب ابحث عن الفرص واستغلها ولو مش واثق في كلام الحكومة, احرجها.. حدد هدفك واعرف إمكاناتك وما ينقصك... وانطلق لتحصيله. وماذا تقول للرئيس بما أنك لم تلتقه؟ بالتأكيد لقائي المباشر مع الرئيس سيتيح توصيل أفكاري بشكل أسرع وأوضح, لذلك أقول له إنني كنت أتمني أن يمتلك المشروع سلطة محددة ممثلة في شخص يملك كل الصلاحيات, وأن يكون له صوت واحد ورسالة موحدة للإعلام والمجتمع, وكنت أفضل أن يكون البرنامج( هو وكل المشروعات الطموحة الكبري) هيئة بقانون مثل مشروع قناة السويس حتي لا يرزح تحت آلاف القوانين المعطلة للعمل والإنجاز.