يجب ألا ينظر ولو مصريا واحدا بارتياح إلي ما يجري في سيناء الآن من أحداث عنف صارت تبرز خلال الفترة الأخيرة. ينبغي.. بل من الأهمية القصوي بمكان أن يلتفت المصريون كل المصريين علي اختلاف مواقعهم وآرائهم ومواقفهم من الأزمة الراهنة في البلاد. إلي مايجري في سيناء وأن يضعوا نصب أعينهم وفي مقدمة أولويات اعتباراتهم الوطنية والسياسية وما يتم تحضيره ومحاولة بلورته في هذا الجزء الغالي والعزيز من أرض الوطن. ربما يعتبر البعض أن العنف في سيناء مجرد عارض للأزمة السياسية الدائرة في مصر الآن, ربما يقتصر أو يختزل البعض هنا أو هناك مسألة العنف في مجرد السؤال عن مجموعة محلية أوأخري ترتبط أيديولوجيا أو قبليا, وربما مصلحيا, بالأوضاع السائدة والمسيطرة علي قطاع غزة. نعتقد أن المسألة أكبر من ذلك, نعتقد بوضوح تام أن المسألة أخطر بكثير مما يتم تناوله أو تجاهله أو عدم التعامل معه بالاهتمام الواجب. نعتقد بصراحة شديدة أن إسرائيل تسعي لاستغلال العنف الذي برز بسيناء في فرض نوع من الرعاية الاستراتيجية التي تضمن بلورته لمصلحة النيل من مصر. علنا قال رئيس الحكومة الإسرائيلية, وليس أي مسئول إسرائيلي آخر: إن الأوضاع في مصر لن تستقر لسنوات. علانية أيضا ذكرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية أخيرا أن إسرائيل رفضت طلبا مصريا بزيادة القوات المصرية العاملة في سيناء لضمان الأمن والاستقرار داخلها. لا يعني هذا سوي شيء واحد.. هو أن إسرائيل تريد إنضاج وبلورة حالة عنف في سيناء تضمن لها تحقيق حالة من عدم الاستقرار في مصر, وإغراقها في أنواع متعددة من الفوضي الدائمة لسنوات لا يعلم سوي الله كم تمتد, وكم تستغرق, وكم تأخذ من عمرنا ومصائرنا وحاضرنا ومستقبلنا وأقدارنا الوطنية. الشاهد بوضوح أن إسرائيل تسعي لاستغلال الأزمة السياسية الراهنة لتحويلها إلي أزمة بنيوية مزمنة تؤدي إلي إضعاف مصر وإخراجها من أي معادلة. فإذا نجحت مصر في اجتياز أزمتها السياسية قوبلت بقاعدة للعنف في سيناء وبما يجعل حدود مصر الآمنة هي الشاطئ الغربي لقناة السويس, الوضع الذي يساوي عمليا وضع الاحتلال الإسرائيلي السابق لسيناء, ودون أي تكلفة لإسرائيل. وفي حالة لا قدر الله طال أمد الأزمة السياسية المصرية, أو تعقدت بصورة عميقة, فتكون سيناء كمنطقة بمثابة موزع للعنف والتفتيت في الجسد المصري كله, ومن ثم تتمكن إسرائيل من استكمال عملياتها الاستراتيجية في تصفية القضية الفلسطينية علي حساب مصر في أي وضع كان. تحاول إسرائيل أن تجعل من سيناء مصدرا لتصدير الأخطار إلي البنيان المصري كله. تسعي إسرائيل لأن تكون سيناء البدوية والعنيفة والمتداخلة أيديولوجيا وقبليا مع غزة باعثا لإنشاء حالة مماثلة لقص الأطراف المصرية في الجنوب والغرب وبما يؤدي إلي ضعضعة وإضعاف قلب البلاد. للأسف, وربما نقول ببالغ الحزن والألم إن استمرار الأزمة السياسية القائمة في مصر الآن يوفر أفضل مناخ لتمكين إسرائيل من تحقيق أهدافها تجاه مصر وبسهولة تامة. ليس هدفنا إلقاء اللوم علي أي من أطراف الأزمة في مصر, ويجب ألا يكون هذا شأننا, ولا هذا وقت إلقاء المسئولية علي طرف دون آخر, كما أنه ليس وقت إعفاء أحد من مسئوليته الوطنية. الثائرون كما النظام, وكل مصري مسئول عن حماية هذا البلد, وإعادة ترتيب أوضاعه, بما يضمن التصدي للمخططات الإسرائيلية, والحيلولة دون تمكينها من تحقيق أهدافها البغيضة. السؤال الذي بات مطروحا وجديا علي الجميع المصري الآن: هل يمكن مواجهة مثل هذه المخططات الإسرائيلية دون صف وطني واحد؟ نعتقد أن الإجابة واضحة وظاهرة وجلية: إنه لا يمكن لبلد أو لوطن مجابهة مثل هذه الأهداف الاستعمارية إلا بصف وطني واحد. الاتحاد الفوري الآن وليس غدا, ضرورة ومطلب وطني لابد من تحقيقه وبإلحاح. لقد تمكنوا من فلسطين والعراق ولبنان والسودان, وفاتوا فيها تمزيقا وتشريحا وتقسيما فشملت هذه الحالة التدميرية الأفراد والجماعات والجغرافيا داخل الوطن الواحد, فصار الكل أشتاتا مشتتة متنافرة متنازعة يأكل بعضها بعضا, وما كنا نقوله أو نعتقد إنه بعيد كل البعد عن مصر صرنا نراه كابوسا مخيفا, وخطرا داهما ننام ونفيق عليه يوميا, فلا ننام ولا نصحو, إلا علي فوضي زاحفة, وانقسام وطني, وخسارة مقدرات ارتدت بنا لعشرين سنة للوراء في أقل تقدير, وفوق هذا كله أطماع أجنبية لا مثيل لها من شرق وغرب, تصب كل جهدها لتعزيز استمرار الانقسام المصري, لتنفيذ مخططاتها, بالإضافة إلي بعض أصوات دخيلة تهدد بالعنف إن لم تفرض إرادتها الأحادية, وأخري تهدد البلاد علنا بالتدخل الأجنبي بزعم فشل المصريين في حل أزمتهم بأنفسهم. الشاهد أن كل تفاصيل هذه الصورة المقيتة والمرعبة في وقت واحد, إنما تفرض علي كل المصريين دون استثناء وبصورة فورية, مهمة وطنية عاجلة هي التغيير والإنقاذ معا, وليس التغيير فقط. الحاصل أن التغيير صار واقعا فعليا, كما أصبحت له خريطة طريق واضحة, حتي وإن تعددت وجهات النظر حول مضمونه وأساليبه, بينما إنقاذ البلد مما يراد لها إسرائيليا وأمريكيا وأجنبيا, لا يلقي العناية الواجبة في ضرورة إنجاز الاتحاد الوطني الآن ضد هذه المخططات الخبيثة. نداؤنا لكل مصري ومصرية: الاتحاد الوطني الآن الآن.. الآن لا يوجد غدا